«تباً لحركة حماس، تباً لإسرائيل، تباً لحركة فتح، تباً للأمم المتحدة، تباً لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وتباً للولايات المتحدة». بهذه اللعنات، آثر عدد من الشباب «الغزيين» أن يبدأ إعلانه عن موقعه على الموقع الاجتماعي الشهير «فيس بوك» تحت عنوان «شباب غزة نحو التغيير». وكتب خمسة شبان وثلاث فتيات الذين أسسوا الموقع بلغات ست من بينها الانكليزية والعربية: «نحن الشباب في غزة ضقنا ذرعاً بإسرائيل وبالاحتلال وبحماس وبانتهاكات حقوق الإنسان، إضافة إلى لامبالاة المجتمع الدولي». وأضافوا: «نريد الصراخ وكسر كل جدران الصمت والظلم واللامبالاة، مثلما تحطم طائرات إف 16 حواجز الصوت، نريد ان نصرخ بكل ما أوتيت أرواحنا من قوة لإنهاء حال الإحباط هذه التي استنزفتنا بسبب هذا الوضع السخيف الذي نحيا. فنحن نحيا بين المطرقة والسندان، نحيا كابوساً داخل كابوس بلا مكان للأمل ولا مساحة للحرية». ويفسر ثلاثة من مؤسسي الموقع الذين فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم ل «الحياة»، الأسباب التي دفعتهم لاستخدام كلمات حادة جداً في مطلع رسالتهم على الموقع. وقال أحدهم: «استخدمنا هذه المصطلحات نظراً لشدة معاناتنا وإحباطنا». واستدرك ثان قائلاً إن «هذا للأسف ما لفت انتباه كثيرين وركزوا عليه، على رغم أن الموقع يحتوي على مطالب وأهداف ورسائل عدة مهمة أيضاً». وأكد الثالث أنهم لم يقصدوا «الإساءة الى أحد... نحن نحترم كل الناس، بصرف النظر عن لونهم أو جنسهم أو شكلهم أو انتمائهم السياسي»، في إشارة على ما يبدو الى حركتي «فتح» و«حماس». وأضاف: «رسالتنا واضحة إزاء الاحتلال، لكن البعض حاول التركيز على الشأن الداخلي». ويقول الشبان في رسائلهم الموجهة أساساً الى العالم الخارجي بعشرات اللغات: «سئمنا كونَنا عالقين في هذا الصراع السياسي، كوننا نشاهد هذا الظلام الحالك الذي تتخلله طائرات حربية تحلق فوق بيوتنا، كونَ المزارعين الفلسطينيين يُقتلون على الحدود بذنب وحيد هو أنهم يهتمون بأراضيهم». وعما يجري في غزة تحت حكم «حماس» التي تسيطر على القطاع منذ أربع سنوات: «سئمنا هؤلاء الملتحين الذين يتجوّلون ببنادقهم يتفاخرون بقوتهم ويعتدون بالضرب ويزجون في السجون كل من حاول التظاهر في سبيل الدفاع عما يعتقد، سئمنا جدارَ العار الذي يفصلنا عن باقي البلاد ويبقينا سجناء في بقعة صغيرة من الأرض». ويضيفون: «سئمنا تصويرنا بالإرهابيين المتعصبين ذوي المتفجرات في حوزتهم والشر في عيونهم، سئمنا عدم الاكتراث الذي نراه من المجتمع الدولي، الخبير في التعبير عن الهموم وصوغ القرارات، الجبان في فرض كل ما يوافق عليه من قرارات، سئمنا وتعبنا من حياة مملة نتعرض فيها للسجن من اسرائيل، أو للضرب من حماس، أو يتجاهلنا باقي العالم كلياً». وأسس الشبان الستة الموقع قبل نحو شهر، وقفز عدد أصدقائه الى خمسة آلاف دفعة واحدة بعد تقرير نشرته صحيفة «الغارديان» البريطانية عنه، ثم ما لبث أن أخذ العدد في الازدياد حتى وصل الى نحو 18 ألفاً. وقال أحدهم إن نحو ثلاثة آلاف صديق من بريطانيا انضم الى الموقع، وألفين من أميركا، و1300 من ايطاليا ومثلهم من فرنسا، وأقل منه بمئتين من ألمانيا.وجاء عدد الفلسطينيين في مقدم قائمة الأصدقاء العرب. وتبلغ نسبة الإناث من أصدقاء الموقع نحو 38 في المئة، فيما تبلغ نسبة الذكور 57 في المئة. وعن السبب وراء تأسيس الموقع، قال أحدهم: «شعرنا أن كثيراً من الشباب أصبح فارغاً، ويتحدث في قضايا تافهة، مثل المسكنات والمخدرات، واختفت النقاشات الفكرية والسياسية الهادفة في شأن قضايا جوهرية، مثل تهويد القدس واللاجئين، وغابت القيم الوطنية». وأضاف آخر: «نريد أن نعيد بناء الصف الشبابي، وأن ننخرط في المجتمع، سياسياً وثقافياً واجتماعياً ومعنوياً، وأن نتمتع بالحق في النقد البنّاء بعيداً عن السب والقدح». ومن أهدافهم أيضاً، كما يقول آخر «إعادة الاعتبار الى العمل التطوعي غير مدفوع الأجر، لأن الشباب أصبح يبحث عن راتب أو إضافة بند آخر في سيرته الذاتية من خلال التطوع». وتمنى أن يكون عام 2011، كما أعلن رئيس الحكومة المقالة إسماعيل هنية «عاماً للشباب من أجل مواجهة الاحتلال والحصار، ولإزالة الصورة النمطية التي برزت أخيراً عن الشعب الفلسطيني أنه شعب متسول، فنحن شعب من أكثر شعوب العالم تثقيفاً وتعليماً». ولأن رسالتهم في الأساس موجهة الى الخارج، «فإننا آثرنا أن نبدأ النشر على الموقع باللغة الانكليزية كي نشرح للعالم معاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، ونكسر الصمت الدولي وتطنيشه (تجاهله) تجاه الجرائم الاسرائيلية والظلم والحصار، والذي يدفع ثمنه الشعب، خصوصاً الشباب». ويقولون في رسالتهم بالعربية: «نحن نبتغي ثلاثة أشياء: أن نكون أحراراً، وقادرين على أن نحيا حياة عادية، والعيش بسلام». ويتساءلون: «هل هذا كثير لنطلبه؟ نحن مجموعة من شباب غزة الذين يسعون للعيش بسلام، وناشطون لن يهنأ لهم عيش حتى تظهر حقيقة غزة ويعلم بها القاصي والداني، بحيث لن يُقبل صمت آخر ولا إهمال واضح. هذا هو المرسوم الرسمي لشباب غزة نحو التغيير». ويختمون بالقول: «سنبدأ عن طريق تحطيم القيود التي حولنا، فسننطلق أحراراً من هذا الأسر النفسي، ونسترد كرامتنا واحترامنا، سنرفع رؤوسنا عالياً، على رغم من أننا سنلقى مقاومة، سنعمل ليلاً ونهاراً لتغيير هذه الأحوال المزرية التي نعيش في ظلها، وسنبني أحلامنا حيث نواجه الجدران».