قالت سيدات أعمال سعوديات إن المستثمرات في المملكة يعانين «عدم تفهم» المجتمع لقدراتهن وقدراً من التهميش والانحياز لمصلحة رجل الأعمال، ما يجعلهن «أرجوحة» للأهواء الشخصية، وطالبن بإطلاق يدِهن للاستثمار في كل المجالات أسوة بالرجال، خصوصاً أن المرأة السعودية أثبتت جدارتها في المجالات التي أتيحت لها فرصة العمل. وأكدت السيدات في حديث خاص ل«الحياة» تحسن المناخ الاستثماري للمرأة السعودية، غير أنهن طالبن بمتابعة تنفيذ القرارات التي تصدر لمصلحتهن ويتم تعطيلها بحجج واهية. وقالت سيدة الأعمال مضاوي الحسون التي تعمل في مجال الديكورات والتحف القديمة ووكيلة لبعض شركات التجميل العالمية، إن المملكة تشهد حراكاً تجارياً للمرأة أفضل من ذي قبل، مشيرة إلى أن القيادة العليا ترسل رسائل للمجتمع السعودي تؤكد قيمة المرأة وأهمية مشاركتها الاقتصادية واعتبارها شريكة أصيلة للمجتمع، مؤكدة أن المرأة هي عصب نهضة الأمم وفي غيابها يحرم المجتمع من نصف طاقاته، وحتى تؤدي المرأة دورها على النحو المأمول تشدد الأستاذة مضاوي على أهمية كفالة حرية اختيارها لمجال تعليمها، والعمل المناسب لها. وأضافت الحسون: «اليوم لدينا مهندسات سعوديات، والمرأة عضو فاعل في منظمات للمجتمع المدني مثل مجلس إدارة الجمعية الهندسية وفي مجالس إدارات الغرف التجارية، وهي ارتقت إلى مصافي أصحاب القرار، غير أن هناك مجالات تعاني فيها الإقصاء والتهميش». ومع ذلك ترى الحسون أن «الجانب الإيجابي أكثر من السلبيات التي يجب عدم تجاهلها أيضاً، وفي مقدمها عدم تفهم المجتمع لقدرات المرأة، والاعتقاد بأنها بممارستها لعملها ستتنازل حتماً عن دينها، وتضرب عرض الحائض بعادات مجتمعها، مثل هذا التصور يجعل بنظرها، أدنى مواطن يعوق ويقف أمام أكبر قرار يصدر لمصلحة المرأة». وعددت الحسون نماذج من العقبات، ومنها قرار السماح للإقامة في فندق من دون محرم، وعندما تأتي سيدة الأعمال للفندق تفاجأ بالرد الجاهز من الموظف: «لا توجيه بذلك» وتقول بحسرة: «حتى اليوم هذا القرار لم ينفذ!!». وتابعت «ومن المعوقات أن تجد سيدة الأعمال السعودية نفسها أرجوحة، بحسب الأهواء والمعتقدات الشخصية عندما يصدر قرار مثل إلغاء «الوكيل» والاستعاضة عنه بمدير أعمال، ويأتي الموظف، ويطلب من المرأة التي تريد أن تستخرج سجلاًَ تجارياً أن تأتي بالوكيل، وكأنما القرار بيده، وهكذا تنتهي كل القرارات إلى لا شيء لتجد المرأة أن الوضع القديم ما زال ساري المفعول!!». وعلى رغم تحسن أوضاع سيدات الأعمال، فإن وضع المرأة كما تقول، يحتاج إلى جهد وعمل دءوب، ويحتاج إلى تفعيل القرارات الصادرة. وتضيف قائلة: «نريد حريات أكثر اتساعاً، ولاسيما أن المرأة السعودية أكدت جاهزيتها للإسهام الفاعل في التنمية الوطنية، وأكدت تفوقها حتى في المجالات المحدودة التي أطلقت يدها فيها». وبسؤالها عن الحلول المقترحة لتجاوز هذه الأوضاع تطالب الحسون بتفعيل دور المرأة السعودية، ومحاسبة المماطلين في تنفيذ القرارات، فضلاً عن الانتقال بالمرأة إلى قلب الأحداث وإشراكها عملياً وليس نظرياً في اتخاذ القرارات، إذ لا دور يذكر حتى الآن للمرأة في اتخاذ القرارات الوطنية. وعن مدى استغلال سيدة الأعمال السعودية للتشجيع الذي تحظى به من الدولة والفرص التي أتيحت لها، تقول الحسون، إن «سيدات الأعمال ما زلن تحت تهديد عدم الاستقرار، فمثلاً حين تتخذ مجموعة من المستثمرات قراراً جريئاً بإنشاء أكاديمية للتجميل وبعد أن يقطعن شوطاً بعيداً لا يحصلن على تصريح فيخسرن الملايين، فسيدة الأعمال السعودية تريد أن تنطلق في كل المجالات، لكنها مكبّلة وتخشى أن تخسر رأسمالها في انتظار الموافقات. وتضيف قائلة: «نريد الشعور بالأمان والاستقرار وعدم التهديد من جهات تتطاول على المرأة وينظرون إليها وكأنما قد أجرمت بمشاركة في العملية التنموية ونهضة بلادها عوضاً عن تكريمها لقاء ذلك». وتتساءل: «ما الضرر الذي سيقع على المجتمع من إنشاء أكاديمية للتجميل تتولى تعليم السعوديات وتوظفيهن؟!». وبشأن مدى اقتحامها مجالات جديدة، تقول إن «المرأة السعودية قبل أن تفتح أمامها المجالات بادرت وخاطرت واقتحمت عديداً من القطاعات، كما حاولت أن تأخذ حقوقها بيدها، تارة باسم الزوج وتارة باسم الأخ، وتحايلت على القوانين لتكون موجودة في قلب الحدث التنموي بالبلاد، ولذلك كانت حاضرة في السوق وقت صدور القرارات، وهي لم تكف عن المحاولة لفتح الطريق لنفسها رغم المعوقات الكثيرة والتهديد». وتمضي الحسون قائلة: «مجال عالم التجميل الذي أعمل به إلى اليوم مهدد، ونعمل بمسمى مشغَل، وبالتالي عقود العمل تصبح باطلة لأنها لا تحمل الصفة الحقيقية لأعمالنا وكل الوزارات تعاني من مخالفات لعدم وجود الوصف الفعلي للنشاط الذي نمارسه باسم المشغل، ومن المفارقة أنه لا يوجد نص ديني يمنع وجود تجميل للعرائس، وهكذا نجد استمرار معاناة المرأة السعودية على رغم إيمان ملكنا الحبيب بقدراتها وتقليده لها أعلى وسام، ومع ذلك فهي صامدة وصابرة وتدير أمورها عن طريق الحوار لأنها ترفض الدخول في مواجهات مع مجتمعها». ورأت الحسون ضرورة ألا يتم تحديد مجالات لاستثمار المرأة لأنه يحد من إبداعها وابتكاراتها، مطالبة بفتح كل المجالات لها أسوة بالرجل، خصوصاً بعد أن عرف المجتمع قدرات وإمكانات المرأة السعودية، إذ نجدها وقد أبدعت في المجالات التي أتيحت لها، فقد حصلت في مجال الطب على براءات ابتكار كما فعلت الدكتور غادة المطيري التي اخترعت دواءً للسرطان، وكذلك إلهام أبو الجدايل في مجال الخلايا الجذعية، إذ حصلت على براءة الاختراع من لندن بعد أن رفض لها في بلدها. ومن الغريب وفقاً للحسون أن يحتضن العالم ابتكارات المرأة السعودية وترفض في وطنها، ولذلك «نطالب بأن تكرم في موطنها وليس في مكان آخر». وشددت مضاوي الحسون على ضرورة توعية الموظفين بالإجراءات التي تصدر لمصلحة المرأة من خلال عقد ورش عمل توضح لهم معنى القرارات، ومن ثم الضغط على تنفيذها، وبعد ذلك لا بد من محاسبة المقصرين. من ناحيتها، ترى المهندسة آلاء الحريري، مهندسة عمارة داخلية ولديها مكتب للعمارة والتصميم الداخلي والديكور، أن قطاع سيدات الأعمال يشهد حراكاً ونشاطاً ملموساً في الآونة الأخيرة وذلك بفضل فتح عديد من المجالات أمامهن وبفضل إيمان الدولة بدورهن، إلى جانب جديتهن وطموحهن، فضلاً عن الرغبة العارمة لديهن لإثبات أنفسهن وقدرتهن على العطاء والإسهام في حركة التغيير الاجتماعي نحو الأفضل. وتقول الحريري إن «الدولة لها دور ريادي وبارز في دعم سيدة الأعمال، وذلك من خلال إيمان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بدور المرأة، ونحن السيدات نعيش في فترة الزمن الجميل للمرأة ونتطلع لمزيد من التطور والازدهار والدعم والتفهم لعمل المرأة المتزن وأهميتها في المجتمع»، فالمرأة كما تقول تستطيع أن تعمل وتوازن بين أولوياتها في الحياة، مشيرة إلى أن دور المرأة غير محصور في حد معين أو إطار محدود، فكل إنسانة تعرف إمكاناتها، وعلى أساسها تسعى لتعزيز قدراتها. وحول أبرز المشكلات التي تواجه المرأة تشير الحريري إلى قلة وعي سيدة الأعمال السعودية بحقوقها كأكبر مشكلة، وقلة الوعي بما لها وما عليها من أنظمة وقوانين ومهارات التجارة، لكنها تضيف: «أرى أن هذه في طريقها نحو الانحسار بفضل انفتاحها على العالم». وحول مدى استفادة السيدات من الدعم الحكومي لهن، تقول الحريري «إنهن حققن فوائد جمّة، لكن يمكن لهن جني المزيد عن طريق تحرير أنفسهن من قيود الخوف والمعتقدات البالية والحذر الذي لا يفيد»، أما المجالات الجديدة التي اقتحمتها المرأة فهي وفقاً للحريري قطاع المقاولات والتسويق العقاري وتنظيم المناسبات. وبسؤالها عن مقترحاتها لسبل تجاوز سيدة الأعمال السعودية لمشكلاتها المزمنة، ترى الحريري ضرورة احتكاكها بذوي الخبرات التجارية والتثقيف الذاتي من خلال الاطلاع على الكتب في مجالات علم النفس والقانون والتاريخ، والاطلاع على مختلف التخصصات وحضور الدورات المتخصصة لزيادة الوعي، مقترحة على الغرف التجارية تنظيم مسابقة لأفضل سيدة أعمال محترفة لتشجيع المرأة على تطوير نفسها. وتضيف قائلة: «أود أن ألفت عناية زميلاتي سيدات الأعمال إلى ضرورة الاحتراف في العمل والالتزام بالقيم الفاضلة وأخلاقيات المهنة، وأن نحافظ على سمعة عملنا بالتزامنا بالمواعيد والتعامل المحترف مع فريق العمل والعملاء والمجتمع، مع أهمية الحرص على الأمانة والصدق في التجارة، وأن تعتقد اعتقاداً جازماً أن التنافس الإيجابي هو منافسة النفس لا الغير وذلك عن طريق تطويرها وبذل الجهد ومواكبة التطور». احترافية عالية وتقول محللة الاستثمارات المالية صاحبة شركة خاصة تعنى بالخدمات التجارية والإدارية المتعددة العنود أبوالنجا، إن لديها من خلال مؤسستها إسهاماً مباشراً في التنمية البشرية، وإضافة إلى نشاطها الداخلي توسعت الشركة في الأسواق الخليجية والعربية في مجال التسويق العقاري، كما تخطط للانتشار دولياً. وتضيف أبو النجا أن سيدات الأعمال السعوديات تمكّن وباحترافية عالية من اختراق ودفع عجلة الاقتصاد السعودي بكل مجالاته، إذ أصبحت لديهن بصمات واضحة ومتنوعة وقدرة على منافسة رجال الأعمال على رغم العقبات التي يواجهها هذا القطاع النسوي، والتي نعرفها جميعاً، منوهة بإسهام سيدات الأعمال في خلق كثير من الوظائف للمرأة السعودية، مشيرة إلى نشاطها في مساعدتهن في الحصول على الوظائف المناسبة من تأسيس شركة للتوظيف. وتشير أبو النجا إلى أن الثقافة السائدة في المجتمع السعودي أكبر معوق أمام سيدات الأعمال، إذ تلقي نظرة المجتمع للمرأة بظلالها على مجموعة من القوانين التي تعوق بدورها سيدات الأعمال، وعلى رغم ذلك تقول إنه لا أحد يستطيع إنكار وجود تحسن نوعي في هذا الاتجاه، وذلك من خلال فتح أبواب ومجالات جديدة للمرأة، لكنها تستدرك قائلة: «نحن نقول إنها محاولات خجولة ولا تلبي طموح المرأة السعودية، والتي تمتلك طموحات كبيرة من شأنها أن تحقق كثيراً من الفوائد لبلادنا إذا وجدت المناخ الملائم». وتعدد أبوالنجا بعضاً من تلك العقبات، فعلى سبيل المثال هناك القوانين التي تطبق على المرأة من موظفين رجال، مشيرة إلى وجود وسيط دائم ما بين سيدة الأعمال وصاحب القرار ما يجعل القانون جامداً ومجحفاً بحق سيدة الأعمال على حسب تعبيرها. كما تنوه إلى ما تعتبره تحايلاً وتلاعباً من الموظفين تجاه القانون، وقالت إن «لغة المال والتجارة يجب ألا تقف عند جنس معين، ما يستوجب إعطاء كامل الحقوق للمرأة من دون مخالفة الشرع لأن المرأة تمثل نصف المجتمع ولا يجوز تمييزها أو تقييدها في بناء الاقتصاد الوطني طالما أنها عطاء بلا حدود». وبسؤالها عمّا إذا كان نشاط سيدات الأعمال يوازي القدرات الكامنة لهن، تجيب بالنفي القاطع وتقول: «بالطبع لا، وما نراه لا يوازي عشر الطاقات الكامنة وذلك بسبب حداثة هذا القطاع، ولكن نستطيع القول إن هنالك تقدماً ملحوظاً، ونحن كسيدات أعمال نعِد بأننا سنفجر كل ما نملك من طاقات لنحقق ذلك». وأعربت أبوالنجا عن اعتقادها بأن الدولة بدأت تنتبه قليلاً إلى الدور الأساسي والفعال الذي يمكن لقطاع سيدات الأعمال أن يلعبه في الاقتصاد الوطني، وبالفعل بدأت بالتوجه لتنشيط عمل هذا القطاع ومع الشكر لجهودهم، لكنني أجد أنه ما زالت تنقصه اتخاذ بعض القرارات الجريئة، والتي ننتظرها كسيدات أعمال يضعن مصلحة الوطن نصب أعينهن ويمتلكن القدرة على العطاء بقدر مماثل للرجل. وعن مدى ملامسة جهود الدولة للقضايا الحقيقية لسيدة الأعمال السعودية، تقول إنها تلامس إلى حد ما ذلك، مع العلم أننا لا نطالب بالمستحيل أو ما يخرج عن الشرع، بل حريصون كل الحرص أن تكون داخل تلك الدائرة إيماناً منا بأن المسار السليم هو الذي يوصل إلى الهدف الحقيقي، لذا نأمل من القائمين على الأمر ليس فقط ملامسة قضايانا بل إخضاعها لطرح صريح وفاعل. وحول مدى نجاح السيدات في استغلال التشجيع الذي يحظين به من الدولة، تقول إن سيدة الأعمال السعودية تحاول استغلال أي فرصة تتاح لها وبالفعل كانت هنالك فرص مثل المقاولات، ولكن حداثة المجال لم تمكنها من الاستغلال بالشكل الأمثل. وعمّا إذا كانت نجحت في الإفادة من هذه الدفعة للتحرر من الأنشطة التقليدية التي عرفت بها في السابق لتطرق آفاق تجارية جديدة وقابلة للتوسع والنمو؟ قالت أبوالنجا: «بالتأكيد، فأول ما فتح قطاع المقاولات الذي يغلب عليه طابع العمل للرجال، كانت المرأة خير مستغل له، وأثبتت نجاحها فيه وفي عديد من الأنشطة المشابهة، بل والمتاحة لها فأصبح للمرأة السعودية عديد من المشاريع، والتي يشهد لها الجميع بالتنوع والحداثة». وتابعت «كما واصلت المرأة السعودية تحدياتها الاستثمارية بقوة وذلك بطرقها لمجالات جديدة في مجال العمل الحر التي لم تكن مألوفة من قبل، وذلك حرصاً منها وإيماناً بأهمية التجديد، والبعد عن التقليدية التي أضعفت دورها التجاري والاقتصادي في السابق، ومن تلك الأنشطة مجال التوظيف الذي نعمل فيه بالتعاقد مع مؤسسات بتجهيز الكوادر العاملة لها، الأمر الذي تمكنا من خلاله من إتاحة فرص لكثيرات من المؤهلات القابعات داخل ردهات البيوت.