أطلقت مكتبة الإسكندرية أخيراً سلسلة كراسات علمية تهتم في الشأن الديني تحت عنوان «مراصد». وتصدر السلسلة شهرياً عن وحدة الدراسات المستقبلية في المكتبة وتهتم بقضايا علم الاجتماع الديني والتقاطعات بين الديني والسياسي والثقافي والاجتماعي. وجاء العدد الأول من «مراصد» تحت عنوان «تسلف الإخوان»، محاولاً الوقوف على أهم العوامل والمسببات التي أدت إلى تحول جماعة «الإخوان المسلمين» تدريجاً نحو اعتناق الفكر السلفي بداية من خمسينات القرن الماضي وصولاً إلى عام 2010. ويشير العدد نفسه إلى أن حال التحول إلى السلفية بدأت منذ عقد الخمسينات مروراً ببعض الأحداث الداخلية على مر العقود المنصرمة والتي أدت تدريجاً إلى تعميق الفكر السلفي داخل الصفوة الإخوانية في البداية بخاصة مع العداء الإخواني - الناصري، ثم انتقل منه إلى باقي كوادر الجماعة في المراحل التالية. كما يحاول الباحث من خلال الدراسة إظهار بعض التغييرات التي طرأت على المنظومة الفكرية والتوجهات الأيديولوجية لأفراد الجماعة من خلال مقارنته بفكر حسن البنا مؤسس الجماعة وبين أفكار قادتها الآن. ويقسم الباحث المراحل التي مرت بها جماعة «الإخوان المسلمين» بحسب العوامل التي أثرت عليها وأدت بها إلى التوجه نحو السلفية. ففي الخمسينات الماضية يرى الباحث أن حال الصدام بين أفراد الجماعة ونظام جمال عبد الناصر مهدت الطريق لتغلغل السلفية في الفكر الإخواني، خصوصاً بعد فرار قادتها إلى دول الخليج وبخاصة المملكة العربية السعودية التي كان لها التأثير القوي والمباشر للترويج لفكرها السلفي من خلال مجتمعها المحافظ. أما في فترة السبعينات من القرن الماضي فيعرض الباحث لأهم الأسباب التي أدت إلى انتقال الفكر السلفي من مستوى القادة إلى مستوى الكادر الإخواني العادي من خلال بعض الأسباب التي قام بإجمالها داخل الدراسة وتتمثل في خروج أفراد الإخوان المعتقلين من سجونهم وسفرهم إلى خارج مصر لتوفير سبل معيشة أفضل، كما أن الباحث يرى أن من أهم العوامل التي أدت إلى فرض الرؤية السلفية على أفراد الجماعة في ذلك الوقت هو تراجع الدور الديني لمصر، ما سهل على الفكر السلفي الوهابي القدرة على مد نفوذه داخل مصر وغيرها من الدول العربية. ويناقش الباحث الدور الذي لعبه طلاب الجامعات في نشر السلفية كرد فعل على مظاهر الابتذال التي انتشرت في تلك الفترة. وفي فترة الثمانينات من القرن الماضي يرصد الباحث حال الحراك السياسي التي شهدها المجتمع المصري والتي أستغلها شباب الأخوان للانخراط في مجال العمل العام بدءاً من الحركات السلفية الطالبية وصولاً إلى المشاركة في الانتخابات العامة. وفي هذا الإطار يحاول الباحث إظهار التأثير المتبادل بين الفكر السلفي والفكر الإخواني. وفي فترة التسعينات، يحاول الباحث الوقوف على النتائج التي أسفرت عن حال الحصار التي مارستها الدولة ضد الوجود الإخواني ما أدى إلى منع الإخوان من الاستمرار في التمدد. وفي نهاية الدراسة ينتقل الباحث لمناقشة التداعيات التي أفرزتها حال التحول إلى السلفية التي مرت بها جماعه الإخوان المسلمين على مدى ما يقرب من ستة عقود. ويعتبر التوجه إلى الدعوة من ابرز هذه التداعيات وأيضاً من أيسر المجالات التي أتاحت للسلفية فرصة التمدد داخل الجسد الإخواني. ثم ينتقل الباحث للبحث في التأثيرات التي لحقت بالبنية التنظيمية لجماعه الأخوان المسلمين كنتيجة لعمليات التسلف التي مرت بها الجماعة على مدى عشرات السنوات، خصوصاً من خلال نتائج الانتخابات التي أجريت في الفترة الأخيرة داخل الجماعة وأسفرت عن تصدر الاتجاه المحافظ لنتائجها. ثم يشير الباحث إلى أن حال التسلف التي لحقت بالجماعة كان لها بالغ الأثر على توجهاتها الأيديولوجية ويظهر الاختلاف جلياً عند المقارنة بين مواقف الأخوان سابقاً وحالياً من بعض الموضوعات مثل العلاقة بالفرق الإسلامية الأخرى ومنها الشيعة. وفي نهاية الدراسة يصل الباحث إلى نتيجة مفادها أن الاتجاه القوي نحو التسلف قد يفقد الجماعة حال المرونة التي يجب أن تمتاز بها لضمان الاستمرارية.