انصرم عام 2010 بخيره وشره وأطل على العالم عام جديد، وعلى رغم ما عاناه العالم من مشاكل ومصاعب في العام المنصرم إلا أنه كان عاماً ذهبياً بالنسبة الى «أوبك» التي على رغم الثقوب في جسمها بسبب خروج بعض أعضائها على الحصص المقررة لهم وفي مقدمهم نيجيريا وأنغولا وفنزويلا وإيران، إلا أنها استطاعت لمّ صفوفها وتعاملت بروية ودراية وحكمة مع قضايا النفط العالمية وتمكنت من جلب الاستقرار الى أسعاره، على رغم أن الضبابية لا تزال تحيط بالمشهد الاقتصادي الدولي من كل جانب. من الأمور الإيجابية لتماسك «أوبك» أن متوسط سعر برميل النفط في العام الماضي كان بحدود 80 دولارا، وهذا يعني أن سعره ارتفع بنسبة بلغت أكثر من 12 في المئة عن العام الذي سبقه، وهذا السعر يعد ثاني مستوى قياسي بعد أن لامس مئة دولار للبرميل عام 2008، قبل إعلان بدايات الزلزال الاقتصادي الذي ضرب اقتصادات العالم ولا يزال بعضها يترنح من تلك الضربة المدمرة ومنها اقتصادات اليونان وارلندا وقد يمتد الأثر إلى دول أخرى مثل إسبانيا والبرتغال وغيرهما! ومما يحسب لمنظمة «أوبك» أنها ما أن شعرت بذلك الإعصار الاقتصادي العالمي حتى سارع مجلسها الوزاري إلى عقد اجتماع تاريخي في مدينة وهران الجزائرية في خريف عام 2008 لتبدأ قرارات خفض إنتاج المنظمة بنحو 4.2 مليون برميل يومياً، وكان ذلك الاجتماع الشهير وما صدر عنه من قرار تاريخي البلسم الشافي الذي انتشل الأسعار التي هوت مع بدايات الأزمة المالية العالمية بسرعة مذهلة لتبلغ حوالى 30 دولاراً. واليوم ومع بداية عام جديد تحوم الأسعار حول 90 دولاراً للبرميل، وهي بذلك تقترب من السعر عندما كسر حاجز 90 دولاراً للمرة الأولى منذ عامين، ويبدو أن «أوبك» راضية عن السعر الحالي إذ أنها طالما أشارت الى أن السعر الذي يحقق الاستقرار الاقتصادي العالمي هو بين 75 و85 دولاراً. وبتحليل حسابي فإن مداخيل أعضاء «أوبك» من إيرادات نفوطها حققت زيادة خلال العام الماضي بنسبة بلغت في متوسطها 12 في المئة عن العام السابق 2009، وعلى الجانب الآخر فإن ذلك السعر يحد من قوة اندفاع الدول المستهلكة نحو تطوير بدائل الطاقة، ولا شك في أن استقرار الأسعار ما بين 75 و85 دولاراً للبرميل يجعل «أوبك» في مأمن إلى حد كبير من إقدام الدول الصناعية على المضي قدماً في تطوير بدائل الطاقة لارتفاع تكاليفها في شكل باهظ، وفيه دعم للسوق الدولية للنفط والاقتصاد الدولي ويقلل من حجم الاستثمارات في الحقول النفطية العالية الكلفة. هذا السعر الذي تراه «أوبك» عادلاً تحقق على رغم توافر النفط بكميات كبيرة في سوقه الدولية، فالفائض في تلك السوق يتجاوز مليوني برميل يومياً، وهذا راجع لعدم التزام بعض أعضاء «أوبك» بحصصهم الإنتاجية المقررة لهم. فمثلاً كانت نسبة التزام الأعضاء في أيار (مايو) 2009 بحدود 80 في المئة واليوم حوالى 55 في المئة، وفي الوقت نفسه تجد دولة كالسعودية يبلغ احتياطها 264 بليون برميل وبإمكانها ضخ حوالى 12.5 مليون برميل يومياً تلتزم بحصتها الإنتاجية وهي حوالى 8 ملايين برميل يومياً، وبذا فإن بعض الأعضاء يعملون على زعزعة استقرار السوق، ولذلك على المنظمة إصلاح داخلها حتى لا تخرج السوق عن السيطرة ويتحقق المثل القائل «على نفسها جنت براقش». إن «أوبك» التي حددت اجتماع وزرائها المقبل في 2 حزيران (يونيو) المقبل عليها أن تدرك أن الأزمة الاقتصادية العالمية لا تزال تطل بوجهها العبوس على العالم، فتوابع الزلزال لا تزال ترج الأرض تحت أقدام بعض الدول خصوصاً بعض دول الاتحاد الأوروبي، كما أن الاقتصاد الأميركي الذي انبعث البركان من داخله (الهش) لا يزال هو الآخر تكتنفه الشكوك على رغم مئات البلايين التي ضخت في عروقه، ناهيك أن العالم يشهد حروباً معلنة تجارية وأخرى على صعيد العملات، والدولار الأميركي الذي تسعر به هذه السلعة السحرية لا يزال عليلاً ويبدو أن مرضه قد يطول، فأميركا تريد له هذا التدهور لتحقيق مصالح عدة منها زيادة صادراتها، و»أوبك» نفسها لم يتقيد بعض أعضائها بما جاء في اتفاق وهران وبعده، والعراق خارج نطاق الحصص ينتج كل برميل يستطيع إنتاجه. ولذا فإن الطريق أقل ما يقال عنها أنها (وعرة) وليست مفروشة بالورد والرياحين. إنها بحر متلاطم أمواجه تحتاج إلى سباحين ماهرين باستطاعتهم السباحة إلى بر الأمان قاهرين الأمواج المتلاطمة! وعلى رغم أن صندوق النقد الدولي يذهب في توقعاته إلى أن معدل نمو الاقتصاد الدولي قد يتجاوز 4 في المئة، إلى جانب أن البيانات الصادرة في الدول الآسيوية في عام 2010 تشير إلى أن النمو في اقتصادات تلك الدول بلغ في متوسطه 8.7 في المئة، وفي الصين لامس 10 في المئة وقد يستمر على نفس المعدل هذا العام، إلا أن «أوبك» تواجه في رأينا تحديات في سوق النفط الدولية من داخلها ومن جانب الدول الرئيسة المستهلكة، وتحديات تغذيها الدول المنتجة للبترول خارج «أوبك» التي تنتج كل برميل تستطيع إنتاجه، وأمام هذه التحديات، فإن أعضاء المنظمة لا بد لهم من الالتزام بحصص الإنتاج التي اتفقوا عليها، على الأقل العودة إلى المستوى القياسي الذي التزموا به عام 2009 بحدود 80 في المئة. وأعضاء «أوبك» أثبتوا في مراحل عدة قدرتهم على الاتفاق خصوصاً عندما تهب عليهم عواصف عاتية. وتبدو دول «أوبك» اليوم في مأمن إلى حد كبير على رغم أن الاقتصاد العالمي في رأينا لا يزال يعيش أجواء إرهاصات الأزمة المالية العالمية، وذلك نتيجة استقرار الأسعار وكذلك توقعات «أوبك» بأن الاستهلاك العالمي من النفط هذا العام سيكسر حاجز 87 مليون برميل يومياً، أو 88.8 مليون برميل يومياً، بحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية (IEA). وعلى رغم الخلافات الاقتصادية والسياسية التي تبرز بين حين وآخر بين بعض أعضاء المنظمة، إلا إن سياستها يجب أن تعلو فوق كل الخلافات خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمستقبل المنظمة التي تمد السوق الدولية للبترول ب 40 في المئة من احتياجاته، بل إن مساهمتها مرشحة للزيادة نتيجة لاحتياطيها الضخم البالغ 80.7 في المئة من إجمالي الاحتياطي النفطي المؤكد عالمياً لتشق سفينتها طريقها في عباب الأمواج الهائجة من دون أن تغرق في الطوفان النفطي، فالجميع هم في سفينة واحدة... ومصيرهم واحد. * رئيس مركز الخليج العربي للطاقة والدراسات الاستراتيجية [email protected]