وطأت أقدام السعوديين بلاد العم سام أواخر القرن ال19، قبل أن تتأسس دولتهم الحديثة، وشهدت تلك الفترة هجرة أوائل السعوديين من منطقة القصيم إلى أميركا، حاملين معهم ثقافتهم العربية وبحثاً عن حياة جديدة، ومنهم من عمل ممثلاً في هوليود أو في مجال التجارة، وخلفوا قصصاً وروايات قد لا يعرفها الكثيرون. في رحلة لا تخلو من المخاطر في ذلك الوقت، يجتاز المسافر فيها بلاداً وبحاراً، ارتحل سعوديون من مدينة بريدة نحو بلاد بعيدة بعضهم للعمل، وآخرون للهجرة، واجهوا خلالها صعاباً كثيرة في وقت كان العالم يمتلئ بالحروب والنزاعات. ونشرت وزارة الخارجية قبل أيام، «أنفوجراف» على حسابها في «تويتر»، عن أوائل المهاجرين السعوديين إلى أميركا، تضمن نبذة مختصرة عن حياتهم وأسمائهم. ويعد محمد الرواف المنحدر من بريدة من أوائل السعوديين المهاجرين إلى أميركا، إذ تشير رواية الرحالة الإنكليزي شكسبير إلى قدومه إلى بريدة في العام 1914، والتقائه الرواف، وذكر فيها أنه كان يتحدث الإنكليزية بلكنة أميركية، وعرف منه أنه كان يعمل في تجارة الجمال العربية قبل حوالى 15 عاماً في ولاية شيكاغو. ومن المنطقة نفسها، هاجر ابن عيون الجواء علي العساف في العام 1898، وفي رحلة طويلة مر في الشام ومصر، وأبحر من الإسكندرية إلى الأرجنتين، ثم إلى أميركا وظل بها 17 عاماً عمل خلالها في التجارة، ثم عاد إلى القصيم. ومن المهاجرين السعوديين أيضاً عبد الله الخليفة، وهو من بريدة أيضاً، وعاش فترة طويلة من حياته متشوقاً لرؤية والده الذي كان يقيم في سورية للتجارة، فقرر بعد مراسلات دارت بينهما أن يرتحل لرؤيته في العام 1899، تنقل فيها بين سورية وفلسطين ومصر، وعمل أجيراً ثم تاجر إبل، وخسر أمواله فيها. وقرر الخليفة التوجه إلى الإسكندرية في العام 1903، وعمل حمالاً، وتعرف على بحارة سوريين أقنعوه بالسفر معهم إلى أميركا للبحث عن عمل، ليبدأ رحلة أخرى استغرقت شهرين حتى وصل إلى ميناء نيويورك. وعمل في تحميل البضائع وسائق أجرة، وكان معروفاً بالأمانة والإخلاص، فنصحه مديره بالعمل في تجارة الملابس، واستمر فيها لسنوات أتقن خلالها الإنكليزية، وتعرف على تجار عرب وفدوا إلى أميركا. أمضى الخليفة في نيويورك ثمان سنوات وكون خلالها ثروة من التجارة، وقرر العودة إلى موطنه، فأبحر إلى الإسكندرية في العام 1911، ومنها إلى ميناء السويس، وركب ناقته عائداً إلى بريدة بعدما أمضى 13 عاماً مغترباً، اكتسب خلالها خبرة في التجارة وفتح محلاً لبيع الأقمشة، وتوسعت تجارته، واشتهر بالسمعة الطيبة وكرم الضيافة، ومات في الرياض في الخمسينات. غربة ابن عساف ويحمل ابن محافظة الشماسية جار الله العساف قصة اغتراب طويلة، بدأها منتصف سبعينات القرن ال19، مسافراً إلى عمه في بغداد، إذ عمل هناك 30 عاماً، ثم انتقل منها إلى الجزائر، وأقام فيها عشر سنوات، إلى أن أخرجه الاستعمار الفرنسي، قرر إثرها السفر إلى أميركا، وعمل هناك في تجارة الخيول، وأقام فيها فترة طويلة تعرض في نهايتها إلى السجن لمدة 15 يوماً مع بداية الحرب العالمية الثانية، فقرر العودة إلى بلده الذي وصله في العام 1940، بعدما بلغ ال80 من عمره، ومات بعد أشهر قليلة من وصوله، ليضرب به المثل في الغربة بين أبناء بلده «ولا غربة ابن عساف». خليل الرواف يبحث عن ابنه كليف طوال 45 عاماً يملك خليل الرواف المنحدر من بريدة، قصة تستحق أن تتحول إلى عمل سينمائي في «هوليوود» التي كان أول عربي وسعودي يمثل فيها، فضلاً عن أنه كان أول سعودي يحصل على تأشيرة رسمية إلى أميركا في الثلاثينات من القرن الماضي، وإن كان عبد الله الخليفة سبقه بسنوات طويلة، إلا أن الرواف كان يريد الهجرة بعدما تزوج من أميركية. ولد الرواف لعائلة سعودية تعيش في دمشق، كانت تمتهن حراسة قوافل الحجاج، وفي الثلاثينات تعرف على فتاة أميركية في بغداد، وقررا الزواج، ليرافقها إلى دمشق ومنها إلى بيروت، إذ حصل على تأشيرة من السفارة الأميركية فيها، ووصل إلى نيويورك في العام 1935، وقام بعدها برحلة مع زوجته لستة أشهر جابا خلالها الولاياتالمتحدة، لكن دبت الخلافات بين الزوجين بسبب اختلاف الثقافات، فحصل الطلاق بينهما. ونظراً إلى إجادته الإنكليزية ولغات عدة، اتجه الرواف للعمل في «هوليوود»، وشارك هناك في فيلم «كنت مراسلاً حربياً» مع النجم الشهير جون واين، وأدى فيه دور شيخ بدوي يجوب صحراء العراق. وبعد التمثيل فتح الرواف مدارس لتعليم اللغة العربية للأميركيين، ليتزوج ثانية من فتاة انجذبت إلى الحضارة العربية، وانجب ولداً سماه نواف في العام 1946، لكن عادت الخلافات بين الثقافتين مرة أخرى ليتطلقاً، وقرر بعدها العودة إلى السعودية حيث تزوج للمرة الثالثة من مصرية أنجبت له أطفالاً. وارتحل ابن القصيم مرة أخرى إلى أميركا بحثاً عن ابنه الذي لم يفلح طوال أربعة عقود في العثور عليه بعد اختفاء زوجته وتزوجها من آخر، وأوصى ابن أخيه المبتعث فيها بمواصلة البحث عنه، ليجده بعد 17 عاماً، بعدما تغير اسم الابن إلى «كليف» وتجاوز ال45. وتوفي الرواف في العام 2000 بعدما تجاوز ال100 عام، منهياً رحلة طويلة تستحق التحويل إلى عمل سينمائي ضمنها في مذكراته التي كتبها بعنوان «صفحات مطوية من تاريخنا العربي الحديث» عاصر فيها حروباً كثيرة وملوكاً وشخصيات عالمية طوال قرن من الزمان.