ركزت «الحركة الشعبية لتحرير السودان» التي تحكم الجنوب على تنظيم فعاليات أمس لحشد مواطنيها بهدف ضمان مشاركة كبيرة في استفتاء تقرير مصير الإقليم الذي يبدأ غداً ويستمر سبعة أيام، فيما كشف رئيس مكتب مفوضية الاستفتاء في الجنوب القاضي شان مادوت أنها تعاني مشكلة نقص تمويل. وشهدت جوبا، عاصمة الجنوب، مسيرات حاشدة ومؤتمرات تعبوية في مختلف أحيائها، شارك فيها مسؤولون من حكومة الإقليم ومن «الحركة الشعبية» دعوا إلى التصويت للانفصال، واستخدمت طرقاً مختلفة لاستقطاب مشاركين. ففي «مركز نياكرون الثقافي» جنوبجوبا، تغنت فرقة موسيقية بالانفصال و «التحرر من حكم الشريعة الكريه»، بعدما وصفها منظم التجمع الذي شارك فيه مسؤولون محليون وأجانب، بأنها «صوت تحرر الأفريقي العاجي المقبور في الهوية العربية». وفي جامعة جوبا، حيث كان مقرراً أن يلتقي الأمين العام ل «الحركة الشعبية» باقان أموم مئات الطلاب الذين تجمعوا في انتظاره أكثر من 3 ساعات، كان عشرات من أبناء القبائل المختلفة يؤدون رقصات تقليدية لتسلية الحضور، وهم يرفعون شعارات الانفصال التي وزعت على كل المقاعد، فيما يتحدث منسق الندوة في مكبر الصوت عن «عشق الجنوبيين للعلمانية، وتوقهم للحرية». غير أن الحشد الأكبر كان في مسيرة نظمتها أحزاب جنوبية مع جمعية «شباب من أجل الانفصال» وجمعت نحو ألفي شخص، معظمهم من طلاب المدارس، توجهوا من استاد المدينة إلى ضريح مؤسس «الحركة الشعبية» جون قرنق، تتقدمهم فرقة موسيقية، رافعين شعارات بينها «الجنوب للجنوبيين فقط»، و «الاستفتاء فرصتك الذهبية للاستقلال». وكان لافتاً أن رئيس مكتب مفوضية الاستفتاء في الجنوب دعا ضمناً إلى اختيار الانفصال في كلمة ألقاها أمام المشاركين في هذه المسيرة، إذ روى حكاية من التراث القبلي عن «حمار انتظر أن يمنحه الآدميون حقه وأضاع فرصة للانطلاق إلى الغابة». واختتم قصته بدعوة إلى مشاركته «صلاة الضباع قبل مهاجمة الماشية»، قبل أن يضيف: «ادعوا الله أن يقودنا بسلام إلى صناديق الاقتراع، أما التصويت للوحدة أو الانفصال، فليتركه لنا». وأكد مادوت «اكتمال الاستعدادات» لإجراء الاستفتاء ووصول صناديق الاقتراع والبطاقات إلى الولايات كافة بمساعدة من بعثة الأممالمتحدة «يوناميس»، لكنه قال ل «الحياة» إن التحدي الأكبر الذي يواجه العملية هو «نقص التمويل، لكننا نأمل أن تسد حكومة الجنوب هذه الثغرة». وأشار إلى معوقات أخرى مثل «صعوبة وصول السكان إلى مراكز الاقتراع في المناطق النائية بسبب غياب وسائل النقل، إضافة إلى مشاكل بين بعض القبائل تثيرها سرقات الماشية»، لكنه شدد على أن «هذه المناطق قليلة، وحكومة جنوب السودان نشرت أعداداً كبيرة من عناصر الشرطة لحفظ الأمن خلال الاستفتاء». وأقر بوجود مخاوف من هجمات محتملة لمتمردي «جيش الرب للمقاومة» الأوغندي الذي ينشط في الجنوب، «خصوصاً في ولاية غرب الاستوائية، لكن الحكومة واعية بالمشكلة وأعتقد أنها ستتولى حلها». وتوقع أن تفوق نسبة المشاركة في الاستفتاء 90 في المئة، لكنه قال ممازحاً إن «من الصعب توقع نتيجة الاستفتاء». من جهته، دعا رئيس لجنة حكماء أفريقيا التابعة للاتحاد الأفريقي رئيس جنوب أفريقيا السابق ثابو مبيكي، الجنوبيين إلى التعلم من تجارب الاستقلال في القارة، بما في ذلك «دروس الديموقراطية والمساواة بين المواطنين... للتأكد من البناء الناجح لما ستكون الدولة الأفريقية الرابعة والخمسين». واعتبر أن الاستفتاء في جنوب السودان «مدعاة للاحتفال في أفريقيا وفرصة لتطور القارة». وشدد في كلمة ألقاها أمام ندوة في جوبا أمس حضرها وزراء وديبلوماسيون أجانب، على ضرورة حماية الجنوبيين في الشمال والشماليين في الجنوب. وأكد تلقيه تطمينات من حكومة الجنوب باحترام حقوق الشماليين في أراضيها. واعتبر الفترة التالية على الاستفتاء «فرصة للطرفين لتجاوز إرث الماضي الصعب وتشكيل علاقات أقوى وأكثر استدامة». وفي الخرطوم، رأى الرئيس السوداني عمر البشير أن انفصال الجنوب لن يكون نهاية حكمه المستمر منذ أكثر من 21 عاما،»بل بداية مرحلة جديدة وثورة جديدة». وقال البشير، أمام حشد جماهيري لمناسبة تدشين جسر جديد في شمال الخرطوم مساء أمس، أن «من يعتبرون أن انفصال الجنوب نهاية لحكمنا واهمون فسيكون بداية عهد جديد وثورة جديدة ونهضة جديدة»، مشيرا إلى أن ذلك رد على أعدائه في داخل البلاد وخارجها. وأكد أنهم لن يتغيروا في المرحلة المقبلة وسيستمر قريبا من شعبه وتابع:»نحن أولاد مزارعين وعمال ولن نولد في أفواهنا ملاعق من ذهب»، ورأى أن معرفة المواطنين بذلك لم يدفعهم للخروج إلى الشارع احتجاجا على زيادة حكومته أسعار الوقود والسكر قبل يومين. وجدد البشير تمسكه بتطبيق الشريعة الإسلامية وقال أن الشريعة ليست حدود وقصاص و»لكن ما دام أن تنفيذ الحدود والجلد والقطع من خلاف يغيظ الأعداء فلن نتخلى عنها وسنستمر في الجلد وقطع الأيدي والقطع من خلاف لاغاظتهم».