لو كنت من قرائي فلابد أنك تعرف أني ما كنت في يوم من الأيام ممن آمنوا بالخرافة والشعوذة والمشعوذين وكل من لفّ لفّهم من منجمين ومبرّجين وبائعي كلام مُصنّع بانتقاء واتقان. بل على العكس كنت من أشد المعادين لهم والمحاربين لأفعالهم وأقوالهم حتى النهاية. كما أنني خلال مسيرتي لم أتوقف كثيراً أو قليلاً عند الماورائيات وعوالمها المتعبة المرهقة التي لا تُفضي في نهاية المطاف إلاّ إلى اليأس والقنوط والتذمّر والتشرذم. لكن ثمّة أموراً في الحياة، أحسبها تندرج تحت طائلة ما ذكرته قبل قليل، ولا يمكن أن تُنسب إلى ما ذكرت، على رغم أنّ البعض يحاول إدراجها وتنسيبها إليها. إنها ببساطة شديدة، حين تلتقي بأُناس ووجوه فيُظهرون أجمل وأحسن ما لديك. وفي المقابل تلتقي أُناساً آخرين فيُظهرون الشر الذي لم تكن تعرف أصلاً أنه موجود فيك، على قول المصريين: طلعوا العفاريت! ناس تجعلك ترى النجوم في عِز الظهر، وناس تجعلك تستأنس بنجوم الليل. الموضوع بمجمله يتمثل بالأماكن والأشخاص وتأثيرهما القوي في الإنسان آنياً ودائماً. وإذا عاد كل منّا إلى مراجعة لأحداث كثيرة مرّت به، فلابد أن تستوقفه هذه الفكرة، ويدرك أنها صائبة ولا شك. فثمّة من نلتقيه فيقلب مزاجنا من عكِر إلى صاف ويحوِّل أعصابنا إلى الهدوء والاستكانة، ويحعل من حزننا وكآبتنا فرحاً وبهجة وانطلاقاً إلى الحياة، حتى وإن ظلّ ذلك الذي التقيناه صامتاً. نشعر معه بالهدوء والسكينة والفرح والمرح أيضاً. وفي المقابل، يكون حضور شخص بمثابة كارثة، فما أن يحل حتى تحل اللعنة. تتوتّر الأجواء ونصبح سريعي الغضب والانفعال ونثور لأي شيء ونُستنفَز لأتفه الأسباب، حتى وإن لم يكن هناك ما يدعو إلى الاستفزاز، وحتى وإن كان كركر ضحكاً، إلا إنه الضحك الهستيري الذي يزيد التوتر. والغريب العجيب أننا أثناء ذاك لا نكون في حال إدراك ما نفعله ولا نعرف دواعي ما يجري ومسبباته. وقد يمضي وقت طويل قبل أن نتعرّف على حقيقة ما حدث ولماذا حصل؟ لندرك لاحقاً وبعد تكرار مثل هذه الوجوه أنها السبب في ذلك. إنّ مجرّد تفهّمنا لمختلف الظواهر الحياتية يحعلنا أكثر اطمئناناً وارتياحاً، وأكثر حذراً، إذ ينبغي الحذر والحيطة، كما أنه يدفعنا إلى مواجهة الحياة بثبات الأقوياء وهدوئهم. كل ما عليك أن تتذكّره أنّ الدنيا وجوه وأعتاب. صحيح، صحيح ذلك لا محال. خلف الزاوية لم نفهم سر البوح/ تكلمنا كثيراً، ثرثرنا كثيراً/ ونحن لم نبدأ سوى همساتنا الأولى/ عبرنا من مكان إلى اللامكان من زمان إلى اللازمان/ على هذا الطريق اللاطريق/ ونحن لم نبدأ بعد [email protected]