في مناسبات عدة، يأتي نقد «الهيئة» من جانب البعض بين لوازم الجلسة والنقاش وتمضية الوقت، في حين ينبري في المجلس نفسه من يدافع عنها تعاطفاً وميلاً لنهجها، لكن وجهة نظر النساء المعنيات أكثر بتدخلات «الهيئة» ظلت في كل الأحوال «شبه غائبة». وفي مناسبة تنظيم «الهيئة» لمؤتمرها السنوي «خير أمة»، كانت ل «الحياة» هذه الجولة بين النساء، اللاتي أبدين ملاحظاتهن. وفي يوم حضر فيه رجال «الهيئة» اختبأت رانيا (13 عاماً) في زاوية محل لبيع الاكسسوارات وهي تلهث خائفة باحثة بعينيها عن أختها الكُبرى التي أتت مصطحبةً إياها إلى السوق وكأنها فجأة تاهت في كومة قش، فظلت بضع ثوانٍ تبحث عنها وعينيها قد غرقتا بدموع الخوف، بعدما سمعت صوتاً جهورياً يصدح في ارجاء السوق ويقول «غطي شعرك يا بنت». فوجئت رانيا بخمسة من رجال «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» واقفين أمام باب المحل يصرخون بأن تُغطي شعرها، إذ قالت: «كنت أرتدي عباءة لكنني أسير كاشفة شعري فلم أبلغ بعد مبلغ النساء»! وبحسب ماروته رانيا ل«الحياة» انتهت تلك الحادثة ومرت بسلام، إذ اختبأت بين بعض النساء المتسوقات حتى أدخلتها إحداهن في عباءتها وأخرجتها من المحل، بينما أختها تنظر إلى الخلف لتتأكد عدم تعقب أحد رجال «الهيئة» لهن. ووصفت رانيا مدى خوفها من ان تقع في قبضتهم بالقولة: «لست مذنبة ولا أريد أن أذهب الى مركز «الهيئة» فتكون فضيحة لعائلتي، لأن من يقبض عليها ويتم تسلمها من هناك، توشم بنظرة سيئة، ولأن معظم الناس يفهمون أن كل من تقبض عليه «الهيئة» هو شخص فاسد». على رغم أن هيئة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لا تزال تحاول إثبات ديمومتها في الحفاظ على الدين ونصح الآخرين الا انها وحتى الآن يقع بعض رجالها في بعض الممارسات الخاطئة والزلاّت التي تجعل العامة لا يودّون تغيير النظرة اليهم نحو الافضل، فلا أحد ينكر عليهم أهمية ما يقومون به ومنعهم الأمور المنهي عنها شرعاً. وتقول في ذلك نجلاء (24عاماً): «الكثير لا يزال ينتقد بعض رجال الهيئة لتدخلهم على رغم سمو رسالتهم، بسبب أسلوبهم الهجومي والعنيف، والذي لا يُشجع المراهقين والمراهقات على امتثال أوامر الدين ونواهيه». نجلاء التي تعمل ممرضة في أحد مستشفيات المدينةالمنورة تحصر تدخل بعض رجال «الهيئة» في أمور النساء بقولها «مجرد رؤيتهن خارج بيوتهن، بخاصة في المستشفيات بحكم ان الاختلاط محرم، مع أنهم أكثر الاشخاص الذين يطلبون عند قدوم ذويهم من النساء ان تشرف على الحالة ممرضة وطبيبة حتى لا تنكشف زوجته او ابنته على طبيب او ممرض!»، وتتساءل: «لماذا لا يشجعون نساءهم على الخوض في مضمار ذلك العمل الانساني ليكونوا قدوة للمجتمع». زعمت أنها باكستانية لتنجو! وتابعت نجلاء ما يستفز رجال «الهيئة» «كشف بعض النساء وجوههن، ناهيك عن خروجها أصلاً من منزلها كوجودها في السوق او حتى في الشارع، لأن معظمهم لديهم بعض المفاهيم المغلوطة في الدين فيعممون الخطأ على أساسها، وأحياناً يكون مؤشر تدخلهم عادات وتقاليد لا بد من تطبيقها على السعوديات ولا يأمرون بها الاجنبيات!». وتروي نجلاء مفارقة حصلت لها مع أحد رجال «الهيئة» إذ قالت: «لأن لديّ الغدة الدرقية فأنا لا أستطيع التنفس عند تغطية وجهي، لذلك أقوم بكشفه من دون وضع أي مساحيق زينة وكنت مع صديقتي ذات يوم في السوق فرآني احد رجالهم وأمرني بتغطية وجهي، فقالت له صديقتي انها زائرة من الباكستان فقال لها أعتذر إذ لديهم فتوى في بلدهم تبيح كشف الوجه فزاد حنقي على رجال «الهيئة»! فهل لأنني سعودية فقط عليّ أن أغطي وجهي؟!». أما عبير (26 عاماً) التي كانت تنوي العودة الى منزلها وتريد من يقلها فأوقفت «ونيت»، منعها رجال «الهيئة» من الركوب معه بحجة أنه شاب! وتابعت تروي قصة إحدى صديقاتها التي كانت تريد العودة من المسجد النبوي الشريف الى منزلها برفقة ابن عمها فأوقفتهما «الهيئة» وأخذتهما الى مركز «الهيئة» وقامت بمصادرة الجوالات واخذ رجال الهيئة يتصلون على جيران الفتاة وذويها لتسلمها حتى خشيت ان تسوء سمعتها او ان يفسخ خطيبها الخطبة، لكنه كان واثقاً منها، كما جاء على لسان حالها. من جانبه، أكد الكاتب السعودي والباحث في الإسلام السياسي يعقوب اسحاق أن نظرة المجتمع لمعظم رجال «الهيئة» لم تتحسن فيُؤخذ على بعضهم رجال «الهيئة» سوء الظن وتدني الثقافة الدينية عند أكثرهم»، معللاً السبب «بأن اخطاء العاملين في الميدان ما زالت مستمرة بدليل ما يحصل من إلحاق الأذى ببعض المواطنين كعملية «الطعن» التي نشرت أخيراً في الصحف». وقال ل«الحياة»: «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها ايجابيات ولكن سلبياتها طاغية، فهي تحمي الشارع من الممارسات الخاطئة التي يقع فيها بعض الشباب والشابات، أما اهم سلبية هي نظامها ولائحتها اللذين يجب أن يتم تعديلهما عن طريق مجلس الشورى لكي تناسبا العصر. وأنا كمواطن سعودي مسلم أحب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأتمنى أن يتم تطبيق ذلك بشكل سلس ولكن ليس بالمفهوم والصورة التي تطبق به من جانب بعض رجال «الهيئة». أما الفقيه والمفكر الإسلامي الشيخ عبدالله فدعق فأكد ل «الحياة» أن وجود هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر ضروري، وهو صمام أمان لكثير من أمور حياتنا، وفكرة إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مستبعد. «ولا أظن أن ذوي العقل السليم يطالبون بمثل هذا الأمر». مشيراً إلى أن وجود الهيئة «يبعث في الإنسان نوعاً من التراجع والرجوع للخلف عند التفكير في أي أمر مخل بالدين». وقال فدعق: «أنا هنا لا أبحث في أمور «الهيئة» التنظيمية، ولكني أؤكد أن عليها أن تهتم بالأمور المجمع على تحريمها نهياً عنها، والأمور المجمع على فعلها أمراً بها». وأضاف قائلاً: « للعباد مهمتان؛ الأولى تقريب الشرع من الناس، والثانية تقريب الناس إلى الله سبحانه وتعالى. وهاتان المهمتان ليست بالضرورة أن يزاولها أحد في الهيئة، فكل الناس معنيون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، مستدركاً تفاؤله في الخطوة الأخيرة لرجال «الهيئة» بنزولهم إلى الشارع ليس بدور سلطوي، ولا بممارسة دور الوصاية على الأشخاص، وإنما لإشعار الناس بالأمان، وهنا أؤكد أنه لا يمكن أن نجير التصرفات الفردية الغريبة لأحد أفراد «الهيئة» على جميع منتسبيها». مشدداً على «ضرورة إنزال العقاب على أي فرد من «الهيئة» أقدم على أي خطأ في حق العامة».