هي حال نموذجية بين الصامتين من القادرين على الكلام، وضعاف السمع الذين ينشدون من يسمع آهاتهم. نموذج للإعاقة التي تفجر الطاقات وتزرع روح التحدي وتحفز لمواصلة العمل الدؤوب. جميلة القاضي امرأة سعودية عاشت تعاني ضعفاً شديداً في السمع مع ثقل في اللسان، معاناتها دفعتها إلى معرفة معاناة المعاقات سمعياً والعمل من أجلهم. استطاعت جميلة أن تقف بقوة مستعينة على همومها ومصائبها بإيمانها بالله وحده، الذي يسمع صوتها وشكواها ويمدها بالقوة والعون، وظلت تسعى لرزقها ذهاباً وإياباً لها ولأخواتها في الجمعية السعودية للإعاقة السمعية (سمعية). وتقول جميلة القاضي ل«الحياة»: «عملت في الجمعية بجد ومثابرة، جمعت التبرعات بأمر من إدارتي وذهبت بنفسي للحديث مع رجال الاعمال والمشايخ وسيدات المجتمع لإقناعهم، ولم يقصر معى احد، بل على العكس تماماً أمدّونا بالمساعدة والدعم المتكرر»، مستدركة: «على رغم المساعدات التي وصلت إلى الجمعية، إلا أنني لم ألمس تغيراً إيجابياً حتى الآن». وتوضح: «على سبيل المثال حتى الآن هناك بعض المعاقات لم توفر لهن سماعات، والجميع يعلم أن أسعار هذه السماعات مرتفعة ومكلفة ولا تستطيع كل معوقة الحصول عليها». وخرجت جميلة عن صمتها على شاشة التلفزيون، لتقول: «الكثير منا في الجمعية ينقصه سماعات فقد جمعت التبرعات ولم توفر لنا»، وعقّب عليها أمين صندوق الجمعية، الذي أكد أنهم اشتروا خمس سماعات. وتتساءل: «كيف لأربع او خمس سماعات ان تفي بحاجة مركز يضم 250 فتاة كلهن في حاجة ماسة إلى سماعات»، مضيفة: «غضبوا مني وتم إيقاف راتبي، وأنا الآن لي أكثر من سنه اعمل بلا راتب، فهل يكون هذا جزائي حينما أدافع عن حقوق زميلاتي والله تعالى يقول: (إن الله لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعاً بصيراً)». لم يتوقف الأمر عند إيقاف راتب جميلة، بل تجاوز الأمر إلى صدور قرار بفصلها من الجمعية الاسبوع الماضي وبأثر رجعي. من جهتها، قالت رئيسة المركز الثقافي النسائي للصم في الجمعية نورة المشاري: «جميلة من فئة ضعاف السمع وهي عضوة والمشرفة العامة على التبرعات في الجمعية والمركز منذ تأسيسها، وتقوم بجهود تشكر عليها لإيجاد دعم مادي ومعنوي للجمعية والمركز». شهادة من ضمن شهادات متعددة تحصل عليها جميلة، وهي عندما تنتظر مقابلة وزير معني بالمعوقين والجمعيات الخيرية تعرف حق المعرفة حقوقها مثلما تعرف واجباتها. من جهته، حدد المحامي القانوني يحيى الشهراني أنظمة وزارة العمل السعودية المتبعة عند التوظيف: «إذا كانت جمعية أهلية تخضع لإشراف الحكومة فذلك يعني أنها تخضع لنظام العمل والعمال، لكن إذا كانت الجمعية حكومية فهي خاضعة لنظام الخدمة المدنية». وأضاف: «نظام العمل والعمال يعتمد ما إذا كان لدى جميلة عقد عمل محدد أم لا، وهل هو محدد المدة او غير محدد، ثم هل يوجد فيه تثبيت أم لا، أما إذا لم يكن لديها عقد عمل يثبت أنها كانت تعمل في الجمعية فبإمكانها أن تثبت أنها احد الموظفين وتعتبر بذلك كأن لديها عقد عمل»، موضحاً انه في الغالب وعلى حسب وضعها فلا يجوز باسم الإنسانية فصلها، خصوصاً أنها تحتاج إلى من يأخذ بيدها وهي دافعت عن حق ولم تقم بإفشاء أسرار المنشأة بشكل يؤثر في سير عملها».