هذه كلمات يسيرة وعبارات قصيرة، أوجهها إلى تلك المعلمة التي اتخذت قراراً بالتوجه لهذه المهنة الشريفة والتصدي لحمل هذه الرسالة العظيمة، ووضعت قدميها في طريق البناء والإعداد لهذه الأمة لتصنع بالتعليم والتربية مجداً. أيتها المعلمة: ربما سمعتِ عن سيرة حياة «هيلين كيلر» العمياء، الصماء والبكماء، كانت طفلة طبيعية تتمتع بالصحة قبل أن يصيبها مرض غامض ويتركها وهي تكاد تكون بلا حول ولا طول ولا حتى أمل «عمياء - صماء - بكماء»، إلى أن قيض الله تعالى لها معلمتها «آني سوليفان» التي أصبحت العين التي ترى بها، لقد رأت «آني سوليفان» «هيلين» مخلوقة شديدة التميز والخصوصية، ولقد عاملتها كما رأتها وأحبتها واعتنت بها وقامت بتربيتها، ولعبت معها، ودعت الله لها، وعلمتها صنوف العلم، وتحملت المصاعب لتعليمها، وقدمت لها ما تستطيع من روحها وفؤادها، إلى أن أصبحت الشمعة المضطربة التي يكاد ضوؤها يخبو، منارة تضيئ الطريق للناس في جميع أنحاء العالم وتخفف عنهم أعباءهم، لقد أثرت «هيلين كيلر» في حياة ملايين البشر، بعد أن أثرت معلمتها «آني سوليفان» في حياتها هي شخصياً. لاشك أن قدوتنا في التعليم والتربية هو المعلم الأول المصطفى «صلى الله عليه وسلم»، ولكن ذكر دور هذه المعلمة وصبرها وهي غير مسلمة ليدمي القلب أسفاً على بعض معلمات اليوم. إن قضايا الأطفال من أكثر القضايا اهتماماً على مستوى العالم، وذلك أن للطفل أهمية كبرى لأي مجتمع، فقد حشدت الجهود الكبيرة لإتاحة الفرصة له، لينال حقوقه الأساسية، ومنها حقه في التربية والتعليم، لينشأ النشأة السليمة اللائقة في مجتمع متكامل... واليتيم هو طفل اليوم، وهو رجل الغد، وستكون سلوكياته المستقبلية أسيرة التربية التي تلقاها في صغره، فإذا أخذ اليتيم حظه من التربية السليمة والتعليم في صغره أينعت ثماراً وارفة في غده على مجتمعه ونفسه قبل ذلك، ولقد حث ديننا الإسلامي على العناية به وإعطائه حقوقه كافة. فأين دورك أيتها المعلمة الفاضلة مع هؤلاء اليتيمات في مراحل التعليم المختلفة؟ فالمعلمة مربية وأم ثانية، وكما هو معلوم أن دور المدرسة مكمل لدور المنزل، إذ تقضي الطالبة في المدرسة نصف يومها، فهؤلاء اليتيمات لا يحتجن إلى الأسرة البديلة أو الأسرة الصديقة فقط، بل يحتجن كذلك إلى من يعينهن على إكمال مسيرتهن التعليمية، فالعلم له أهمية كبيرة في حياة الأمم، ولا يستقيم نظام الحياة إلا به، خصوصاً العلم الشرعي، يقول الله تعالى (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير)، ويقول قدوتنا صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل له به طريقاً إلى الجنة»، وكما قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: «الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين، والعلم يحتاج إليه في كل وقت». وأيضاً قال الشاعر: العلم يرفع بيتاً لا عماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف العلم يسمو بقومٍ ذروة الشرف وصاحب العلم محفوظ من التلف أدعوك مربية الأجيال حاملة الأمانة لحمل أمانة هؤلاء اليتيمات وإيصالهن إلى بر الأمان، وتذكري قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: «إن الله وملائكته وأهل السموات والأرض حتى النملة في جحرها، ليصلون على معلم الناس الخير». وأدعو إلى التعاون والتماسك بين وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الاجتماعية، يقول صلى الله عليه وسلم: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، وشبك بين أصابعه». شريفة بنت عبدالله السويد - الرياض [email protected]