خيّم الهدوء الحذر على المنطقة المحيطة ب «كنيسة القديسين» في حي سيدي بشر في مدينة الإسكندرية بعد يوم عاصف من الأحداث، فيما برزت مخاوف من «أجواء الشحن» وتفاقم التوتر الطائفي بعد الهجوم الذي وُصف ب «الانتحاري»، والذي أدى إلى سقوط 21 قتيلاً في الكنيسة القبطية. ولا تزال قوات الأمن تحيط بمنطقة الحادث في شارع خليل حمادة، شرق الإسكندرية، مع إحكام قبضتها على الكنائس المنتشرة في أرجاء البلاد والمنشآت الحيوية والسفارات الأجنبية، خشية وقوع هجمات جديدة. وكثّفت أجهزة الأمن المصرية جهودها للبحث عن مرتكبي حادث التفجير الذي وقع مع الساعات الأولى لصباح السبت. وأعلنت مصادر أمنية عن احتجاز نحو 15 شخصاً يشتبه في إمكان تورطهم في التفجير الذي أوقع 21 قتيلاً وما يقرب من مئة جريح بينهم 8 من المسلمين. وأشارت المصادر إلى تحقيقات مطولة تجري مع الموقوفين، إضافة إلى مساع لتحديد أصحاب السيارات التي كانت توجد أمام الكنيسة وقت وقوع الحادث. وفي حادث آخر، أكدت مصادر أمنية أن ليس له صلة بانفجار الكنيسة، اقتحم ملثّم مركز شرطة شرطة المريوطية (جنوبالقاهرة) وفتح النار من سلاح آلي على عدد من الضباط والجنود فقتل أحدهم قبل أن يفر هارباً. لكن أجهزة الأمن تمكنت من اعتقاله. وفي خصوص التحقيقات في الهجوم على الكنيسة، كشفت مصادر أمنية ل «الحياة» أن أجهزة الأمن توصلت إلى «معلومات مهمة» من شأنها المساهمة في كشف هوية مرتكبي حادث الكنيسة. وأشارت إلى تورط «عناصر خارجية» تسللت إلى البلاد بمساعدة مصريين. ولمّحت المصادر إلى أن المعلومات الأولية لدى الأمن تؤكد أن «عناصر خارجية» أشرفت على الإعداد للعملية وتصنيع المتفجرات، فيما قام مصريون بعملية التنفيذ. وأكدت أنه «تم التعرّف على هذه العناصر». لكن المنظمة المصرية لحقوق الإنسان شددت على ضرورة التزام معايير حقوق الإنسان والحق في المحاكمة العادلة والمنصفة لمن توجّه له اتهامات في قضية الكنيسة. وأكدت «ضرورة الإسراع في تقديم الجناة للعدالة والعمل على عدم إفلاتهم من العقاب». وبعد تكهنات أولية بأن الاعتداء على الكنيسة تم بسيارة مفخخة، رجّح مصدر أمني لاحقاً أن يكون التفجير ناتجاً عن عمل «انتحاري»، مشيراً إلى أن فحص المعمل الجنائي أكد أن العبوة الانفجارية المستخدمة محلية الصنع وتحتوي على قطع معدنية تهدف إلى إحداث أكبر عدد من الإصابات. ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن التفجير الذي يأتي بعد شهرين من تهديدات وجهها الفرع العراقي لتنظيم «القاعدة» ضد المسيحيين في مصر، وذلك على خلفية اختفاء امرأتين مسيحيتين بعد رواج أنباء واسعة عن اعتناقهما الإسلام (قيل إن السلطات سلمتهما للكنيسة). ونصبت أجهزة الأمن مئات الأكمنة الثابتة والمتحركة على مداخل الإسكندرية ومنافذها الحيوية والفرعية، وأفيد أن وزارة الداخلية المصرية ألغت الراحات والإجازات لضباطها من كافة الرتب، واستدعت من هم في إجازات بالفعل، لتدعيم جهودها على كل الصعد لضبط الجناة. ومن جانبها، استعجلت النيابة العامة التقارير الفنية في شأن الحادث، وفي مقدمها تقرير المعمل الجنائي وخبراء مصلحة الأدلة الجنائية في ضوء الانتهاء من معاينة مكان الانفجار، وكذلك معاينة 12 سيارة أصابها التلف والتحطيم نتيجة الانفجار وتساقط الحجارة عليها جراء شدة الانفجار، لتحديد نوع المواد المتفجرة المستخدمة في إعداد العبوة الناسفة التي تسببت في الحادث، وتحديد المكان الرئيسي لانطلاقها. وانتهت أمس النيابة العامة بالتعاون مع مصلحة الطب الشرعي في تحديد هوية 15 جثة ممن لقوا مصرعهم في الحادث، من بينهم 8 ذكور و7 إناث. ولم يتم التعرف بعد على هوية ثلاث جثث، فضلاً عن وجود قدمين بشريتين مجهولتي الهوية، إلى جانب تناثر أشلاء جثث بشرية. مخاوف على التعايش الديني وألقى الحادث، الذي وقع مع الساعات الأولى للعام الجديد، وأودى بحياة 21 وأصاب ما يزيد على 90 آخرين بجروح غالبيتهم من الأقباط، بمزيد من المخاوف على مستقبل التعايش الديني بين عنصرَي الأمة (المسلمين والأقباط)، إذ حمل أقباط على الحكومة المصرية واتهموها ب «الفشل في حماية المسيحيين» على رغم التهديدات التي تلقتها قبل اسابيع من تنظيم «القاعدة». وشهدت الكنائس المصرية أمس خروج المئات من الأقباط في تظاهرات احتجاجية، كان أكثرها حدة تلك التي خرجت من الكاتدرائية المرقصية في ضاحية العباسية في القاهرة بالتزامن مع زيارة أقطاب الدين الإسلامي في مصر (شيخ الأزهر ووزير الأوقاف ومفتي البلاد)، إذ طالب المسيحيون الغاضبون بخروج الزائرين، رافضين قبول العزاء. وحاول عدد من المتظاهرين الاعتداء على سيارات شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب ومفتي البلاد الدكتور على جمعه خلال خروجهما من الكاتدرائية، إلا أن حرس الكنيسة تمكن من تطويق المتظاهرين، بينما تم احتجاز وكيل الأزهر والمتحدث الرسمي باسم المشيخة داخل الكاتدرائية بعد هتافات معادية من المتظاهرين ضدهما. كذلك قطع مئات الأقباط طريقاً متاخماً لضاحية المقطم (وسط القاهرة) احتجاجاً على ما اعتبروه «استهدافاً واضطهاداً للمسيحيين في مصر». وقام المتظاهرون بإلقاء الحجارة والزجاج الحارق على السيارات المارة على طريق صلاح سالم السريع، ولم تتدخل أجهزة الأمن لتطويق المتظاهرين، حيث تركت الأمر لعدد من القيادات الدينية المسيحية في المنطقة التي يطلق عليها اسم «حي الزبالين». وكان ما يقارب خمسة آلاف شخص شاركوا مساء أول من أمس (السبت) في تشييع ضحايا الاعتداء على الكنيسة في الإسكندرية. وأقيمت مراسم التشييع في دير مارمينا في كينج مريوط على بعد نحو 30 كلم من مكان الحادث. ورفعت حشود المشيعين شعارات غاضبة، مؤكدين رفضهم تقبل تعازي الرئيس المصري حسني مبارك، إذ هتف بعض الأقباط قائلين «لا، لا، لا» مراراً لدى محاولة سكرتير بابا الأقباط الأنبا يؤانس نقل تعازي الرئيس المصري. وفي محاولة لتهدئة الأجواء المحتقنة، سعت دوائر فنية وسياسية على السواء في مصر إلى التشديد على ضرورة التمسك ب «الوحدة الوطنية»، وعبّر المغني المصري عمرو مصطفى عن غضبه واستنكاره لما حدث بأغنية لحّنها بنفسه تحت عنوان «في شرع مين؟»، فيما دعت المطربة شيرين عبدالوهاب إلى حملة للتبرع بالدم في المستشفيات التي تعالج المصابين، أما النجم عادل أمام فطالب برفع الأعلام السوداء حداداً على أرواح الشهداء الذين قتلوا في الحادث، مؤكداً أن رفع المسلمين والأقباط للأعلام السوداء سيفسد على «الدخلاء» محاولتهم زعزعة الاستقرار ونشر الفتنة بين المسلمين والأقباط. المعارضة المصرية بدورها، طالبت المعارضة المصرية بأن يكون احتفال الأقباط بعيد الميلاد في 7 كانون الثاني (يناير) «عيداً للوحدة الوطنية». وقرر اجتماع، عُقد أمس في حزب الوفد، وضم عدداً من ممثلي المعارضة السياسية لمناقشة الاعتداء على كنيسة الإسكندرية، تشكيل هيئة وطنية دائمة تتولى الدفاع عن الحريات المدنية وحماية الجبهة الداخلية والحفاظ على الوحدة الوطنية، على أن تتولى الهيئة «رسم حدود الدولة المدنية الحديثة التي تقوم على أساس المواطنة والحفاظ على الوحدة الوطنية ونشر ثقافة المواطنة عبر تنظيم مؤتمرات ولقاءات يتم خلالها تعريف المواطنين بخطورة الفتنة الطائفية». ودعا المجتمعون إلى حداد وطني عام، وقرر الاجتماع أن يكون يوم 7 كانون الثاني (يناير) عيداً للوحدة الوطنية، وعقد مؤتمر جماهيري حاشد في مقر حزب الوفد في هذا اليوم. وأعلن الاجتماع عن تنظيم مجموعة من الوقفات الاحتجاجية الصامتة للتنديد بالاعتداء على الكنيسة. من جهته، أكد رئيس الحكومة المصري الدكتور أحمد نظيف مجدداً إدانة «العمل الإجرامي» ورفض المحاولات الموجهة «لبث الفتنة والفرقة بين صفوف الشعب»، مشيراً إلى أن شعب مصر «يعي بوضوح تلك المحاولات ويرفضها بكل أطيافه». وجاء حديث نظيف خلال اجتماع مصغر عقده أمس لمتابعة حادث الكنيسة وحضره وزراء الشؤون القانونية والمجالس النيابية مفيد شهاب، والداخلية حبيب العادلي، والتضامن الاجتماعي علي المصيلحي، والصحة حاتم الجبلي. وأشار الناطق باسم الحكومة الدكتور مجدي راضي إلى إن وزير الداخلية استعرض خلال الاجتماع تطورات التعامل السريع في موقع الحادث وتحرك الأمن مع تداعيات الحادث، مؤكداً أن أجهزة الوزارة تتعاون وتنسق بشكل وثيق مع النائب العام والأجهزة القضائية لكشف أبعاد الحادث ومنفذيه وتعقُّب المخططين وملاحقة المتورطين في أقرب فرصة. ونقل راضي عن العادلي تأكيده خلال الاجتماع استمرار الوزارة في تعزيز إجراءات الأمن على كافة المنشآت الحيوية بخاصة في فترة الأعياد المقبلة، مشيراً إلى توجيه رئيس الحكومة بقيام شركة المقاولين العرب بصورة فورية بإصلاح التلفيات التي نتجت عن الحادث في الكنيسة والمسجد والمباني المجاورة. كما وجه نظيف بضرورة توفير الرعاية الفائقة للحالات المصابة وعلى أعلى مستوى.