عزا اختصاصيون في التعليم العام والجامعي غياب الكوادر المحليّة عن التخصّصات الصناعية والتطبيقية، إلى عدم وجود خطة استراتيجية واضحة العناصر، تسير وفقها الجهات الحكومية والخاصة، منوّهين إلى أن التعليم المحليّ يعاني ضعفاً في جودته، ويحتاج إلى إدخال مجموعة من الجوانب التي تسهم في إصلاحه، بحيث يصبح قادراً على ضخ الكوادر المؤهلة في سوق العمل، بشكل يتماشى مع التخصّصات والمجالات المطلوبة فيه. وأوضح مدير جامعة اليمامة سابقاً الدكتور أحمد العيسى أن مؤسسات التعليم في المملكة يغيب عنها التكامل والتواصل المشترك، مشيراً إلى أن ذلك أوجد تشتتاً في سوق العمل، وتفاوتاً في الإقبال على بعض التخصصات والمجالات. وقال ل«الحياة»: «التعليم يعاني من ضعف في الجودة من مختلف الجوانب، سواء من جهة الأصول الفكرية وفلسفة التعليم، أو من حيث المناهج ومستوى المعلّمين، وبجانب ذلك يظهر التكامل غائباً بين مؤسسات التعليم الثلاث، وهي وزارة التربية والتعليم، ووزارة التعليم العالي، والمؤسسة العامة للتدريب التقني والمهني، فكل جهة من هذه الجهات تعمل وحدها، من دون أن تكون هناك استراتيجية واحدة تجمعها، بعكس ما يحدث في كثير من الدول، وهذا الأمر سبّب كثيراً من السلبيات، يأتي من بينها الإقبال على بعض التخصّصات، ولا سيما النظرية، وتجاهل البعض الآخر، ما أسهم في إيجاد تكدّس، وبالتالي ظهور البطالة لخريجي بعض التخصّصات، فالتعليم لدينا كأنه عمل على فصل من يتجه إلى العلوم النظرية عن العلوم التطبيقية والعكس، فالتعليم الجامعي نجد فيه كمّاً كبيراً من الجوانب والمواد النظرية في مقابل جوانب تطبيقية أقلّ». وشدّد على أن سوق العمل السعودية قادرة على استيعاب خريجي التعليم في مختلف المجالات ذات النمو الاقتصادي العالي، إلا أن عدم قدرة مؤسسات التعليم على التعامل مع طلابها على مستوى رفع تأهيلهم، واستجابة برامجها لحاجات سوق العمل، قلّص من فرص وجود الخرّيجين في عدد من القطاعات، مضيفاً: «لا يجب إلقاء اللوم على الخرّيجين لعدم قدرتهم على التفاعل واستيعاب مستجدات وحاجات سوق العمل، ولا يجب أن نلوم جهات القطاع الخاص، لأنها لا توفّر الوظائف ببساطة، فالمسؤولية مشتركة، وعلى مؤسسات التعليم مسؤولية كبيرة في رفع تأهيل الطلاب، والتركيز على المجالات التي يمكن أن ينجح معها الشباب السعودي، وتكون متناسبة مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي، كالتكنولوجيا، والطاقة، وتقنية المعلومات، والبتروكيماويات، والمجال المصرفي، ومجال الاتصالات، كون هذه التخصّصات تحوي عوامل جذب، وتوفّر مردوداً مادياً جيّداً، أما مجال الحدادة والميكانيكا وغيرها من المجالات التي تصنّف على أنها وظائف متوسطة أو أقل من متوسطة، فمهما أدخلنا فيها من عناصر جذب فلن نجد كثيراً من الشباب الراغبين فيها بشكل كبير». بدوره طالب عميد كليّة الهندسة في جامعة الملك سعود الدكتور عبدالعزيز الحامد، بتكاتف جهود المؤسسات التعليمية، للاهتمام بالموارد الطبيعية والتعريف بكيفية الاستفادة منها، وبالتالي استثمارها بواسطة أيدٍ عاملة محليّة، تعمل على تحويلها إلى مواد صناعية ذات فائدة للاقتصاد السعودي. وأضاف ل«الحياة»: «لدينا موارد طبيعية هائلة، لكنها تحتاج إلى عقول بشرية تديرها بشكل جيد، إذ تجب الاستفادة من هذه الموارد بالشكل الأمثل، من خلال كادر سعودي مؤهل، وهذا الأمر يحتاج إلى تكاتف الجهود بين عدد من الجهات والمسؤولين والعلماء والمتخصصين، لتبادل المعلومات وتناول ما نتميّز به عن غيرنا وكيفية إبرازه واستثماره، إضافة إلى ضرورة إيجاد رؤية واضحة محدّدة الأهداف والرغبات التي نأمل في تحقيقها، بحيث يتم العمل وفق هذه الرؤية وتفصّل الجهود بناء عليها، بيدَ أن هذا الأمر مغيّب في المملكة وغير متوفّر، وما يحدث لا يعدو عن كونه اجتهاداتٍ من بعض الجهات، من دون وجود جهود مشتركة بين الجميع، فغياب الرؤية الواضحة له سلبياته الكثيرة، والبطالة إحدى أهم هذه السلبيات»، منوّهاً إلى أن الجهات التعليمية القائمة على الجوانب المهنية والصناعية، بحاجة إلى اهتمام أكبر. من جانبه، أوضح عميد شؤون الطلاب في جامعة الملك فيصل الدكتور محمد الهجهوج، أن النواحي العملية والتطبيقية تكاد تكون مهملة على مستوى التجهيزات والإمكانات في الجامعات والمدارس ومعاملها، مشيراً إلى أن ذلك أسهم في اتجاه كثير من الطلاب إلى التخصّصات النظرية. وقال ل«الحياة»: «على رغم أن كثيراً من الطلاب يميلون إلى الجانب العملي والتطبيقي، إلا أن مجموعة منهم لا يتّجهون إليه، كونه مهملاً من جانب التجهيزات والإمكانات العالية، فالاستراتيجية الموجودة في التعليم لم تعطِ هذا الجانب حيّزاً كبيراً، لذا أُهمل الجانب التطبيقي في التعليم العام، وهناك كليّات بمسميات علمية تنقصها التجهيزات المناسبة، وفي حال توفّرت فإنها تفتقد إلى الكادر البشري الذي يقوم بالإدارة بالشكل الأمثل، فقد نجد أجهزة تصل قيمتها إلى 10 ملايين ريال ويتراكم عليها الغبار، لعدم العمل عليها، وبالتالي تصبح مخرجات التعليم هي المتضرر من ذلك». واعتبر أن المعادلة العملية في المملكة خاطئة وغريبة، مرجعاً ذلك إلى توفّر عدد كبير من الشركات والمصانع، في مقابل خرّيجين يعانون من البطالة، وتعتبر أعدادهم أقلّ من متطلباتها، لافتاً إلى أنه قد يتم وضع خطط استراتيجية من دون أن يتم تطبيقها كما يجب، مشدداً على أهمية قيام الجهات الرقابية بمتابعة وجود السعودة في القطاع الخاص، ومحاسبة الجهات المخالفة التي لا تعمل على تطبيق النسبة المطلوبة، وتكتفي بإيجاد أسماء وهمية. وأضاف: «يفترض أن يتوفّر في كل مدينة مكتب يُعنى بأمر بطالة الخرّيجين والخرّيجات، ويعمل على متابعة أمورهم مع الشركات التي تتناسب مع التخصّصات التي تم التخرّج فيها، فمكاتب العمل تفتقد للموظفين المؤهلين القادرين على التعامل مع الخرّيجين، إضافة إلى أنها ليست متخصّصة في البطالة فقط».