ينتظر أن يكون السباق نحو الفضاء بين روسياوالولاياتالمتحدة أحد العناوين الأساسية التي تميّز عام 2011. ولم تكد تمرّ شهور على إعلان الولاياتالمتحدة عزمها استئناف برنامجها في استكشاف المريخ، حتى كشف الروس عن استعدادهم لإطلاق مرحلة جديدة في صناعات الفضاء، كي تعزّز موقعهم في التنافس مع أميركا. ذكرى غاغارين الباقية «عام الفضاء في روسيا». هذه هي التسمية التي أطلقت على 2011، وتعكس نيّة في تحويل العام المقبل، نقطة انطلاق جديدة في علوم الفضاء وصناعاته. لم يأت الاختيار صدفة ولا اعتباطاً. إذ تستعد روسيا هذا العام لأوسع احتفالات في تاريخ علوم الفضاء فيها، لمناسبة مرور نصف قرن على إرسال أول إنسان إلى الفضاء الخارجي. في 12 نيسان (ابريل) من عام 1961، وفي غمار التنافس المحموم بين القوتين العظميين في القرن العشرين، فوجئ الأميركيون بنجاح منافسيهم بإرسال رائد الفضاء يوري غاغارين في أول جولة يقوم بها إنسان حول الكرة الأرضية. واستغرقت هذه الرحلة 108 دقائق، تمكن خلالها غاغارين من إتمام دورة حول الأرض والعودة إلى مركبته الفضائية. كانت رحلة قصيرة، لكنها أدخلت غاغارين التاريخ وفتحت المجال أمام احتدام المنافسة فضائياً. وفي 1969، سجّل الأميركيون إنجازاً تاريخياً بإرسال أول مركبة مأهولة إلى القمر. وفي 2011، لن يقتصر الاحتفال بهذه المناسبة على فعاليات تمجّد غاغارين أو تعيد تسليط الضوء على إنجازات روسيا في الماضي. إذ يؤكد صُنّاع القرار الروس أن الاحتفال سيتّخذ طابعاً عملياً، عِبر إطلاق برامج جديدة في الفضاء، تأكيداً لأن روسيا ما برحت تحتل موقعاً ريادياً في هذا المجال. وفي قرار خاص، وصف الرئيس ديمتري ميدفيديف هذه المناسبة بأنها ستشكّل «انطلاقة جديدة في علوم الفضاء في روسيا». ورُصدت لهذه المناسبة موازنات ضخمة. وحُدّدت جملة أهداف في الفضاء، ينتظر أن يكون 2011 مربعاً أول في جهود تحقيقها. وفي «عام الفضاء»، من المنتظر عودة أجهزة البحث العلمي الروسي لتأخذ أماكنها على المدار، وليصل بعضها الى مناطق جديدة، مثل وضع القمر الاصطناعي «فوبوس» في مدار حول المريخ. ومعلوم أن روسيا لا تمتلك حالياً، أجهزة استكشاف علمية في الفضاء، بعد توقّف محطة الرصد الفضائية «كوروناس فوتون» عن العمل بسبب خلل في نظام تزويدها بالطاقة. وقد توقّفت عن إرسال معلومات إلى الأرض في 2010. المريخ مرة أخرى ينتظر أن يستهل 2011 بإطلاق محطة الفضاء المؤتمتة «فوبوس غرونت». وتعتبر هذه المحاولة الروسية الأولى لإرسال جهاز بحث فضائي إلى كوكب آخر، منذ عام 1996، عندما تحطم المسبار «مريخ – 96» بسبب خلل أصاب الصاروخ الذي يحمله. والمعروف أن موسكو تواصل تنفيذ تجربتها «مارس500»، التي تهدف إلى إعداد رواد فضاء لإرسالهم إلى المريخ. وتختلف مهمة هذه المحطة المؤتمتة قليلاً عن سابقاتها، إذ تتوجه لاستكشاف قمر «فوبوس» الذي يدور حول المريخ. وكان مقرراً إرسال هذه المحطة في 2009، لكن الخبراء الروس أجّلوه لسنتين، كي يجروا مزيداً من التجارب عليها. وبحسب ليف زيليونيف مدير «معهد البحوث الفضائية الروسية»، يتمثّل الهدف الأساسي علمياً للمحطة في الحصول على عينات من «فوبوس»، لدراستها في المعامل الروسية. ويتوقع خبراء الحصول على معطيات بالغة الأهمية من العيّنات، لأن «فوبوس» يعتبر نموذجاً مثالياً لدراسة تشكّل المجموعة الشمسية منذ بلايين السنوات. وتتركز مهمة المحطة في إجراء عدد كبير من التجارب على سطح «فوبوس»، إضافة إلى مسح الفضاء القريب منه. كما تجري المحطة دراسات فيزيائية وكيماوية على تربة «فوبوس» وأجواء المريخ، خصوصاً لجهة التحقّق من وجود غاز الميثان في غلافه الجوي. وينتظر أن تحقق هذه المحطة هدفاً آخر. إذ أنها المرّة الأولى التي يسعى العلماء فيها الى دراسة غلاف الذرّات المحيط بالمريخ، باستخدام قياسات ينهض بها جهازان مختلفان. وإضافة إلى ذلك، تحمل هذه المحطة مجموعة من الكائنات الحيّة الدقيقة، بينها أنواع من البكتيريات يسعى العلماء الروس الى دراسة تأثير الرحلة إلى المريخ عليها. تلسكوب فضائي عملاق يركّز المشروع الفضائي الثاني لعام 2011 على إرسال تلسكوب فضائي عملاق، اسمه «راديو أسترون»، إلى الفضاء الخارجي. ويبلغ قطره قرابة عشرة أمتار. يمتاز هذا التلسكوب بالدقة العالية. ويعتبره بعض الخبراء الروس الأفضل بين ما أنجزته البشرية على هذا الصعيد. وينتظر أن ينقل صوراً تفوق دقتها ما توافر لدى الدوائر العلمية في روسيا والغرب، لحد الآن. وأشار بعض اختصاصيي الفضاء في روسيا، إلى أن عملية إطلاق هذا التلسكوب تهدف لدراسة العمليات الجارية داخل النّوى النشطة للمجرات، والثقوب السود العملاقة، والمادة المظلمة، إضافة إلى وضع تصوّر عن هيكلية تشكّل النجوم في المجرّة. كما ينتظر أن يساعد «راديو أسترون» في إنشاء منظومة تنسيق فلكية، إضافة إلى تعزيزه للدراسات عن حقول الجاذبية في الفضاء. ولا يخفي علماء روسيا توقعاتهم بأن تغدو تجربة إرسال هذا الجهاز إلى الفضاء الخارجي، الخطوة الأهم في تطوير برنامج الفضاء روسياً، خصوصاً في مجال فيزياء الفلك، ما يمهّد الطريق لمشاريع علمية قوية في المستقبل. في سياق متّصل، يواصل عدد من المتطوعين الخضوع لتجربة فريدة تهدف الى تجهيز رحلة مأهولة الى المريخ. وكانت المرحلة الأولى منها بدأت قبل عامين. ووصلت التجربة إلى الجزء الأخير والأكثر أهمية منها، إذ يقوم على عزل المجموعة في ظروف مماثلة لسطح المريخ لمدة 520 يوماً هي الفترة اللازمة للطيران نحو الكوكب الأحمر والعودة منه، إضافة إلى البقاء على سطحه لفترة زمنية كافية لإجراء بعض الدراسات والبحوث. ويتوقع العلماء الروس المشرفون على التجربة، الانتهاء منها في 2011، ما يعني أن روسيا ستمتلك القدرة على الشروع بوضع فكرة إرسال مركبة مأهولة إلى المريخ موضع التنفيذ خلال سنوات قليلة. وأعلن المركز الفيديرالي الروسي أخيراً، أن الحكومة ستفي بالتزاماتها مالياً حيال خُطط الفضاء كافة.