تحظى المعركة الانتخابية في دائرة المتن الشمالي (جبل لبنان) باهتمام عربي ودولي باعتبارها واحدة من أمهات المعارك، مثلها مثل زحلة وبعبدا والكورة وبيروت الأولى (الأشرفية) ليس لأنها محطة للثأر السياسي بين حليفي الأمس وخصمي اليوم، رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون ونائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر، وإنما لأنها تعتبر الى جانب المعارك الأخرى، «بيضة القبان» في ترجيح كفة الأكثرية في البرلمان الجديد. ومع ان التنافس في المتن الشمالي محصور بلائحتين الأولى مدعومة من «التيار الوطني الحر» والحزب «السوري القومي الاجتماعي» وحزب «الطاشناق» والثانية من تحالف المر وحزبي الكتائب و«القوات اللبنانية» والمستقلين، فإن المر يحاول ان يثبت للعماد عون أنه لم يكن ضيفاً على لائحته في الانتخابات الماضية عام 2005 وأن حضوره السياسي والانتخابي في المتن الشمالي متجذّر منذ حوالى نصف قرن. والعماد عون يحاول أن يثبت أنه من خلال «التيار الوطني الحر» قادر على الإمساك بزمام الأمور في المتن الشمالي في مقابل سعي المر الذي يتمتع بتأييد متني واسع، ومعه حلفاؤه، الى وقف الزحف «العوني» على المنطقة وهذا ما يؤشر الى أن المنافسة ستكون محتدمة، وأن هناك صعوبة أمام اللائحتين في حصد المقاعد النيابية السبعة بعد فوز مرشح «الطاشناق» النائب هاغوب بقرادونيان بالتزكية، وأن الجهد من قبل الطرفين ينصبّ على كسب المجموعات الحيادية التي تعد ما يقارب عشرة آلاف ناخب يشكلون عشرة في المئة من مجموع أصوات المقترعين الذي لن يقل، بحسب التقديرات، عن 90 ألفاً. ومع أن بعض استطلاعات الرأي يرجح كفة لائحة «الإصلاح والتغيير» على لائحة «الإنقاذ المتنية»، تعتبر مصادر الأخيرة أن هذه التوقعات «ليست دقيقة ولا تعكس واقع الحال الانتخابي لأن معظم المؤسسات التي تجري الاستطلاعات معروفة بهويتها السياسية وانتماءاتها الحزبية وهي اعتمدت على التحليل السياسي مقروناً بميولها المسبقة ورغباتها في تظهير النتائج لمصلحة لائحة العماد عون». وتضيف المصادر نفسها أن «أفضل طريقة لاستطلاع الرأي واستكشاف التوجهات الانتخابية للمقترعين في المتن هي التواصل الدؤوب مع المتنين في السراء والضراء». وهذا ما يركز عليه المر وحلفاؤه الذين يرفضون التوقف عند نتائج الاستطلاعات ويصرون على أن المنافسة ستكون «على المنخار» وأن أحداً لا يضمن لنفسه فوز لائحته بالكامل وإن كان يطمح لاكتساح الموقف في 7 حزيران (يونيو) المقبل. وتؤكد المصادر عينها أن المشهد الانتخابي في المتن الشمالي أقرب الى المشهد الذي يسيطر على زحلة، وبالتالي فإن «الإنقاذ المتنية» تتعامل مع استطلاعات الرأي على أنها في سياق حرب نفسية منظمة يشنها العماد عون «بغية التهويل على الناخبين من جهة وإيهامهم بأن المعركة محسومة لمصلحة لائحته». وتتصرف «الإنقاذ المتنية» مع نتائج الاستطلاعات على أنها جزء من الدعاية السياسية للعماد عون الذي يعد الناخبين بقيام «الجمهورية الثالثة». ويروج العماد عون لمجموعة من الشعارات لجذب الناخبين على خلفية إصراره على محاربة الفساد ومكافحة الهدر وإصلاح الإدارة في الدولة وضرب الإقطاع السياسي، غامزاً من قناة خصومه في «الإنقاذ المتنية»، ومستعيناً ببرنامجه الانتخابي الذي يتعارض مع برنامجه في الانتخابات الماضية الذي وضعه جانباً بعد التوصل مع «حزب الله» الى ورقة تفاهم في شباط (فبراير) 2006. كما يحرص عون من خلال برنامجه على تحقيق فك اشتباك مع رئاسة الجمهورية، رافضاً تقصير ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وأيضاً المثالثة في السلطة التنفيذية، ومتهماً خصومه بأنهم وراء الترويج لمثل هذه المواقف. لكن عون لم يعف رئاسة الجمهورية من تدخلها في الانتخابات النيابية في جبيل بذريعة أن من يريد الوقوف على الحياد، ما عليه إلا الطلب من المؤسسات والإدارات والأجهزة الرسمية الوقوف على الحياد وعدم مناصرة اللائحة المنافسة للائحته في هذه الدائرة. وإذ يخفف عون من العناوين الرئيسة ذات الطابع الإقليمي والدولي من برنامجه الانتخابي بناء لرغبة عدد من المرشحين على لوائحه لقطع الطريق على إحراجهم، فإنه في المقابل يحمل بشدة على رؤساء معظم البلديات متهماً إياهم بالانحياز ومتوعداً بمحاسبتهم، وهو لهذه الناحية يتعامل معهم وكأنهم فئة تنتمي الى موظفي القطاع العام، بخلاف ما هو منصوص عليه في قانون البلديات الذي لا يحرمهم من حقهم في ممارسة اللعبة الديموقراطية من دون تسخير المال البلدي لذلك. كما أن «التيار الوطني الحر» لم يتوقف عن اتهام «قريطم» في إشارة الى رئيس «تيار المستقبل» النائب سعد الحريري بالتدخل في تركيب اللوائح في الدوائر الانتخابية المسيحية اعتقاداً منه أن التحريض يستنفر الناخبين للاقتراع لمصلحة لوائحه، فيما يتهمه خصومه بأنه استقوى بحلفائه وبجهات إقليمية لاستبعاد النائب نادر سكر من الترشيح في بعلبك - الهرمل لمصلحة رئيس حزب «التضامن» إميل رحمة. إضافة الى أنه طلب تدخلهم لسحب ترشح القيادي في «تيار التوحيد» سليمان الصايغ عن المقعد الدرزي في عاليه بذريعة أن سحبه سيؤدي حتماً الى خفض نسبة الاقتراع الدرزي فيها باعتبار أن ضمانه لفوز المرشحين الدرزيين أكرم شهيب وطلال ارسلان بالتزكية سيفسح في المجال أمام خلط الأوراق بما يتيح له تحقيق اختراق لمصلحة أحد المرشحين المسيحيين على لائحته المدعومة من ارسلان. لذلك فإن ل «التيار الوطني الحر» حضوراً فاعلا في المتن الشمالي يضاهيه حضور آخر للمر وحليفيه الكتائب و«القوات» من شأنه أن يدفع المعركة باتجاه الرهان على دور المجموعات الحيادية التي تعطي الأرجحية لهذا الطرف أو ذاك مع أنه لن يكون في مقدور أحدهما السيطرة الكاملة على النتائج. فالمر يتحرك بدينامية في المتن الشمالي وهو الآن بمثابة «عتاد» اللائحة لتواصله مع المتنيين وتنسيقه الدائم مع حلفائه من أجل رفع مستوى التعبئة من جهة والتحضير الإداري والشعبي لخوض المعركة وكسبها باعتبار أن للإدارة الانتخابية من وجهتي نظر الفريقين دوراً في اجتذاب أصوات المجموعات الحيادية خصوصاً في اليومين الأخيرين قبل الاقتراع. كما أن عون عبر عدد من مرشحيه على لائحة المتن، يحاول تأليب الرأي العام على «الإنقاذ المتنية» من خلال السؤال عن القواسم المشتركة بين مرشحي اللائحة المنافسة لهم، والتي تعتبر أن ما يجمعها تحت سقف واحد أكثر بكثير مما يجمع «التيار الوطني الحر» والحزب «السوري القومي الإجتماعي» وأحزاب أخرى لها حضورها المتواضع في المتن كانت قررت الوقوف أيضاً الى جانب لوائحه في الدوائر الأخرى. كما أن عون يطرح نفسه على انه البديل على صعيد القيادات المسيحية وهو يرفع من وتيرة خطابه السياسي باتجاه خصومه من خارج المتن، تحت عنوان استعادة صلاحيات رئيس الجمهورية لدحض ما اتهم به سابقاً من أنه يرفض التسليم بدور الرئاسة في رعاية الاستقرار في السلطة الإجرائية وأنه اضطر في مؤتمر الدوحة وتحت ضغط المشاركين وجهات دولية وإقليمية الى التسليم الفوري بانتخاب سليمان رئيساً للجمهورية بعدما كان يطالب بحسب مصادر في الأكثرية، بإجراء انتخابات نيابية مبكرة يصار بعدها الى انتخاب الرئيس. ويتهم عون أيضاً خصومه بالتبعية للخارج ولتيار «المستقبل» في الداخل في إشارة الى أن السنّية السياسية كانت وراء تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية الذي هو الآن ليس في حاجة الى كتلة نيابية وسطية. إلا أن خصومه يردون باتهامه بأنه يتوجه بخطابين الى الداخل الأول لحلفائه من خارج المتن وتحديداً «حزب الله» والثاني الى المتنيين والمسيحيين عموماً وأنه يأخذ بطريقه البطريرك الماروني نصرالله بطرس صفير. كما أن خصومه في المتن يرفضون الدخول في سجال معه ويعتبرون أن معركتهم ضده سياسية بامتياز وليست شخصية وأن برنامجهم السياسي واضح ويتلخص ب «الوصايا العشر» التي وزعت أخيراً في المتن الشمالي باعتبارها العناوين السياسية الرئيسة ل «الانقاذ المتنية» وفيها دعوة الى عدم انتخاب «من عطّل انتخابات الرئاسة وأحدث فراغاً في رئاسة الجمهورية وتسبب بحروب عبثية بين المسيحيين وتهجم على بكركي وعطل المبادرة العربية لحل الأزمة اللبنانية قبل الذهاب الى مؤتمر الدوحة ويريد الانقلاب على النظام». وعليه فإن انتخابات المتن الشمالي اخترقت سقف كل التوقعات سواء بالنسبة الى التحضيرات أو تبادل الحروب الإعلامية والسياسية استعداداً للمنازلة الحاسمة في 7 حزيران (يونيو) التي لن تكون بحسب المراقبين للأجواء الانتخابية، محسومة النتائج كما يتوقع «التيار الوطني» بخلاف «الإنقاذ المتنية» التي تجزم بأن الفوز سيكون حليفها. لذلك فإن تبادل التحدي بالفوز بين اللائحتين لا يعني أن النتيجة معروفة سلفاً نظراً لأن المنافسة متقاربة وأن صناديق الاقتراع وحدها ستحمل الخبر اليقين مع انتهاء عمليات فرز الأصوات، علماً أن «الطاشناق» الذي سيقترع لمصلحة المر - على رغم ما يصدر عن قادته من تصريحات وتحديداً بقرادونيان من أن هناك صعوبة في إقناع القاعدة الحزبية بهذا التوجه لكنها ستلتزم نهائياً بقرار الحزب - لم يقرر حتى الساعة المرشح الأرثوذكسي الذي سيقترع له من لائحة حليفه العماد عون. وهناك من يؤكد أن قرار «الطاشناق» في تحديد المرشح الأرثوذكسي الذي سيقترع له سيتخذ قبل أيام من موعد الانتخابات وبالتنسيق مع عون في ضوء آخر استطلاع انتخابي يجريه «التيار الوطني» لتبيان ما إذا كان النائب غسان مخيبر متقدماً على حليفه في اللائحة غسان رحباني أم العكس. إضافة الى معرفة القرار الانتخابي للوزير نسيب لحود بعد قرار عزوفه عن خوض الانتخابات.