يقف موظفو الشركات الكبيرة حائرين أمام أمرين أحلاهما «مر»، فإما القبول براتب التقاعد، أو القبول ب«الشيك الذهبي» كمكافأة لنهاية الخدمة، إنه الخيار المفضل بالنسبة إلى بعض الشركات، التي بدأت بتطبيقه قبل قرابة عشرة أعوام، ناقلة تجربة عالمية في إحلال كفاءات شابة وبخبرة حديثة برواتب قليلة، عوضاً عن «المسنين» من كبار الموظفين ذوي الرواتب المرتفعة. وبالنسبة إلى بعض الشركات يوفر خيار «الشيك الذهبي» بديلاً لنظام التقاعد والتأمينات الاجتماعية، ويتم تطبيقه وفقاً لمبدأ التراضي بين طرفي المعادلة «الموظف وصاحب العمل» دونما قسر وإجبار، وبإمكانه، بحسب خبراء، توفير رؤوس أموال للمتقاعدين لتمويل مشاريعهم وخططهم للاستثمار. ويتم احتساب قيمة الشيك الذهبي تبعاً لمدة الخدمة، وقيمة الراتب، فكلما زادت سنوات خدمة الموظف، وكان راتبه مرتفعاً، امتلأ الشيك بالأرقام الكبيرة، وعلى العكس يتم احتسابه بالنسبة إلى الموظفين ذوي الخدمة القصيرة والرواتب المنخفضة. وعلى رغم اندفاع كثير من الموظفين بادئ الأمر في القبول بالشيك الذهبي، الذي يحتوي رقماً لا بأس به، إلا أن كثيراً من المتقاعدين حديثاًً يفضلون الاحتفاظ براتب شهري ربما يكون متواضعاً، لكنه «خيرٌ من كثير منقطع»، فمعظم من حصل على الرقم الكبير، «قذف» به في صالات الأسهم، طمعاً في أن تزداد «أصفاره» إلى اليمين، لكن انهيار السوق حوّل أرقام حساباتهم أصفاراً على الشمال. ويعزو أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز الدكتور فاروق الخطيب ركض كثيرين وراء الشيك الذهبي إلى أنهم يتوقعون توافر وظائف في قطاعات أخرى، لكنهم يفاجأون بعد تبديد أموال الشيك في «متع زائلة» بعدم توافر هذه الوظائف، لكونهم خبرات متخصصة لا تجد فرصة للعمل إلا في الشركات التي أنهوا خدماتهم فيها. ويضيف: «كثير ممن يحصلون عليه ليست لديهم مشاريع مدروسة، وبعضهم يزيد من إنفاقه الاستهلاكي على الكماليات مثل السفر والمناسبات والتبضع «الباذخ»، وعندما يستنفدون المال، يتحوّلون إلى الضمان الاجتماعي، مع أن الفرصة كانت قائمة في استثماره في وديعة إسلامية أو مشروع مربح». وعن قيمة الشيك وهل تتوازى مع متطلبات الحياة بالنسبة إلى المتقاعدين، يقول الخطيب: «إن متوسط ما يحصل عليه المتقاعد ذو الخدمة المتوسطة لا يقل عن 500 ألف ريال، وهو مبلغ تجب إعادة النظر فيه، فهو لا يفي بالمتطلبات في زمن التضخم وارتفاع الأسعار». ويكشف المحلل المالي أستاذ المحاسبة الدكتور طارق كوشك اتجاه عدد من الشركات إلى إرغام الموظفين على القبول ب«الشيك الذهبي» بطريقة «مبطنة» لإحلال موظفين برواتب قليلة لا يتسببون في عبء مالي للشركة، إذ يقول: «عندما تعرض الشركة على الموظف شيكها الذهبي، تخيّره بين القبول والرفض، لكنها تلجأ في حال رفض الموظف إلى نقله لمنطقة نائية بحجة مصلحة العمل، وهو أمر لا يمكن أن تحاسب عليه الشركة نظاماً، وبإمكانها من خلاله دفعه إلى الرضوخ وقبول الشيك أو الاستقالة».