عُقد في جامعة فلوريدا في الولاياتالمتحدة الأميركية مؤتمر علمي عن ظاهرة الانقراض اللغوي في العالم، وناقش أسباب خفوت بعض اللغات وبروز أخرى، مركزاً على اللغات المهرية والسقطرية والشحرية والحرسوسية والبطحرية والهبيوتية بوصفها لغات عربية قديمة مهددة بالانقراض. وشارك في المؤتمر الذي عُقد أول من أمس، في عنوان: «ظاهرة الانقراض اللغوي العالمي»، عدد من الجامعات العالمية في بريطانيا وألمانيا وكندا والمملكة العربية السعودية، وسط حضور أكاديمي بلغ أكثر من 20 محاضراً من جامعة لندن البريطانية، وكولغن الألمانية، ويورك الكندية، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وسلّط المؤتمر الضوء على اللغة العربية بوصفها لغة واسعة الانتشار، ذات تنوع تدويني وجغرافي ولغوي، مركزاً على اللغة المهرية. وقال الباحث الدكتور وليد عبدالله الروساء: «إن اللغة المهرية من اللغات العربية القديمة لسكان جنوب شبه الجزيرة العربية، وأصبحت الآن مهددة بالانقراض»، مشدداً على «أهمية إجراء عدد من الدراسات حولها لسد فراغ المكتبات، بوصفها لغة عربية ذات جذور عميقة». وأكد في ورقته «اللغة المهرية: لغة عربية مهددة بالانقراض... رؤية وحل»، ضرورة وجود متخصصين في مجال التدوين اللغوي، وعلم الانقراض اللغوي بما يساهم في إبراز التعددية الثقافية واللغوية للمجتمع العربي. ولفت الباحث إلى أن اللغة «المهرية لها حضور بارز في المشهد السعودي، فهناك قرابة 20 ألفاً من أبناء المملكة العربية السعودية يتحدثون اللغة المهرية، تنحدر غالبيتهم من قبيلة المهرة المنتشرة في المملكة، لا سيما في جزئها الجنوبي من صحراء الربع الخالي، إذ يسكن معظمهم في محافظتي شرورة والخرخير». وأبرز عدداً من اللغات العربية المهددة بالانقراض، مثل اللغة السقطرية التي يتحدثها قرابة 50 ألفاً، واللغة الشحرية التي يتحدثها قرابة 25 ألفاً، واللغة الحرسوسية التي يتحدثها قرابة 600 شخص، والبطحرية التي يتحدثها قرابة 200 شخص، واللغة الهبيوتية التي يتحدثها قرابة 100 شخص. وأشار الروساء إلى أن «هناك كثيراً من الباحثين الأوروبيين والمتخصصين في علوم اللغات السامية أجروا بحوثاً عن هذه اللغات، ولكنها لم ترَ النور إلى الآن، داعياً إلى الاهتمام في شكل أكبر بهذه اللغات، كونها تعكس قوة اللغة العربية وامتداد جذورها». وتحدث عن أهم المدارس اللغوية التي تطرقت الى هذا الجانب، وشملت المدرسة الألمانية برئاسة البروفيسور واغنر وميلر، والبروفيسور إدوارد كانسكي في نهاية القرن التاسع عشر، والمدرسة الإنكليزية برئاسة البروفيسور جونستون الذي سافر الى بلاد المهرة ومكث في مناطق المهرة قرابة سنتين ودوّن مدونات (لم تنشر غالبيتها) عن هذه اللغات، واصفاً إياها بأنها لغات «من ذهب». وأوضح أن معظم هذه اللغات كان «جسر التواصل المباشر بين سكان جنوب الجزيرة العربية، مشيراً إلى أنها امتداد طبيعي للحضارات العربية القديمة كحضارة سبأ وقتبان والحضارات العربية الجنوبية الأخرى في الأحقاف وسد مأرب». وأرجع الاهتمام بهذه اللغة إلى «ما تشكّله من أهمية في الدراسات اللغوية الحديثة وإسهامها الكبير في مجال البحث اللغوي والتشجير اللغوي والدراسات اللغوية التأريخية». وأشار إلى رحلته العلمية الحقلية التي قام بها إلى محافظة الخرخير في صيف عام (1431ه) لتتبع اللغة المهرية، وتسجيل ظواهرها النفسية والاجتماعية والجغرافية، آملاً أن يكون هناك اهتمام أكبر وأكثر بالتعددية اللغوية التي تكتنزها المملكة بصفتها مكاناً لعدد من الثقافات والحضارات على مرّ العصور.