من المؤسف أن يظل تعريف جريمة الإرهاب محل التباس في الضمير الجمعي والضمير الأمني في بلادنا، كثير منا يحب أن يزايد على قضايا أخرى ليتهرب من إدانة الإرهاب، أو يجرها إلى التسيس والتبرير والتضليل، وليس أدل على كل هذا من تلك الصفة التي تلتزم بها التصريحات الأمنية والإعلامية في وصف الإرهابيين بأنهم «فئة ضالة». وربما يشرح هذا لماذا انتشر بين الناس بعد التفجيرات المحلية التي بدأت منذ 2003 تقريباً واستمرت حتى اليوم، وراح ضحيتها مئات من أبنائنا المدنيين والعسكريين، ولم تعد تعنى بقتل الكفار وإخراجهم من جزيرة العرب كما كان شعارها سابقاً، بل أصبحت اليوم تستهدف المسؤولين والمدنيين، والذين يختلفون في الرأي ليصبح الإرهاب شاملاً، إرهاباً فكرياً وجسدياً، لا يزال البعض وبرعاية أيدلوجية يستنكر صيحات الغضب عليهم ويخوفهم بأن الدعاء عليهم لايجوز، فهم مسلمون ضلوا الطريق، والدعاء لهم بالهداية، على رغم أن السجون السعودية تضم مئآت الآلاف من المساجين المسلمين الذين قاموا بأعمال قتل وسرقة ورشوة وانتهاك للعرض، ولم يطالب أحد بأن ينظر لأفعالهم ومحاكمتهم على أنهم مسلمون ضلوا. هذا الالتباس في شأن جرائم الإرهاب لم ينتشر بين عامة الناس من البسطاء في منازلهم، بل وانتشر في قطاع التعليم والإعلام والوعظ والإرشاد الديني بل وصل إلى القطاع العسكري مما جعل جندياً حائراً يسأل شيخاً: ماحكم قتل إرهابي يقابله في مواجهة عسكرية؟ فما كان من الشيخ العاقل إلا أن قال له بكل بساطة إن لم تقتله قتلك. في اعترفات تائب مثل العوفي أحد أعضاء تنظيم القاعدة، والذي نشرت أقواله صحيفة «الحياة»، لن تجد في حديثة المنشور توبة عن قتل النفس الحرام، ولا عن سرقة المال الحرام، فخطؤه الذي تاب عنه هو اشتراكه مع تنظيم مخترق من قوى استخبارية أخرى، يوهم الناس بأن معظم أفراده سعوديون، ليكذب على الشارع السعودي، ويختلف العوفي مع خصومه في السلوك الإداري فقط أما إذا أردتم أعظم جريمة أخلاقية يرتكبها تنظيم القاعدة من وجهه نظر العوفي فموجزها في فعل نائب التنظيم السعودي الفاسد، أما لماذا هو فاسد فهي بحسب قوله «إن الشهري رجل فاسد عندما أعلن عن اسم المرأة التي ألقي القبض عليها وتدعى هيلة القصير، خصوصاً وأن الدولة سترت عليها من إشهار اسمها أمام أسرتها ومجتمعها، ولكن للأسف تبجح سعيد باسمها في مقطع مرئي حتى تعرضت للسب والشتائم في المجال». يبدو أن هذا ليس رأي التائب العوفي فقط، فبحسب ما صرح به مسؤول أمني «أن المرأة التي تشترك في جرائم الإرهاب لاتسجن بل تسلم لأهلها إذا وجدت أهل يتحملون المسؤولية عنها». ولإعادة الأسئلة لنصاب المنطق نقول: ماذا لو أن أمرأة قتلت جارتها، أو سرقت متجراً، فهل من باب حماية الأعراض والشرف أن تعفى هذه المرأة من العقاب والسجن؟ ولأن الجواب طبعاً لا، فالسؤال التالي هل القتل والسرقة جريمة، بينما الإرهاب الذي هو حمل السلاح وقتل الأنفس، وسرقة الأموال وتمويل الإرهاب هو ضلال لا أقل ولاأكثر؟ [email protected]