كرّرت منذ العام 2005 إلى اليوم أكثر من مرة، أن الولاياتالمتحدة الأميركية لن تضرب إيران. اليوم أقول إنه إذا اجتمعت أميركا وجميع الدول العربية، فلن يستطيعوا تحرير العراق من الاحتلال الإيراني. هذا واقع وليس كلاماً مبنياً على مقاربات سياسية.العرب عاجزون عن القيام بدور محوري في العراق، بسبب تعدد الرؤى تجاه هذا البلد الغارق في دم أبنائه، على رغم نداءات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المتكررة للمصالحة العربية، ومن ثم توحيد الرؤية. الولاياتالمتحدة تجاهر بعداء الجمهورية الإسلامية نهاراً، وتلعب معها البوكر على بساط نووي ليلاً، من أجل أن يساعدها الملالي في تركيب مشروع الشرق الأوسط الكبير، في مقابل مشروع إيران النووي. إذاً والحال هذه فليس أمام العرب سوى دعم المقاومة الوطنية العراقية، «أقول المقاومة الوطنية العراقية فقط»، أنا لا أعني أن تدعم الدول العربية المقاومة العراقية بالمال والسلاح، فهذا أمر محال في ظل الهيمنة الأميركية، لكنني أقصد أن يترك العرب المقاومة العراقية تعمل بقدراتها الذاتية، وألا يحاول البعض منهم، العمل على تفتيتها إلى فصائل وكتائب وسرايا وما إلى ذلك من تقسيمات. المقاومة الوطنية العراقية مقاومة شريفة، على رغم تحفظي على بعض مجاميعها، وهي قادرة على التعامل مع عدوين في آن، لكن مشكلة بعض الدول العربية أنها تريد أن تستخدم المقاومة العراقية، لتحقيق مكاسب داخلية وأخرى خارجية. إذا فهم العرب أن المقاومة العراقية ليست ورقة للمساومة، بل هي ورقة التوت التي تستر جسد الأمة، عندها سيعود العراق عربياً. المقاومة العراقية ليس بين صفوفها مقاوم واحد من أصل فارسي، على العكس من أعضاء حكومة المنطقة الخضراء، الذين ما زال البعض منهم يتنقل بجوازات إيرانية وأميركية وبريطانية وتشيخية، ليس هذا فحسب، بل إن البعض منهم لديه ملف برقم معروف لدى المخابرات الإسرائيلية واليوغسلافية سابقاً. أنا لست عراقياً، ولا تربطني بالعراق سوى الحضارتين العربية والإسلامية وأصدقاء وصديقات توازعتهم المنافي، لكنني أخجل عندما أطلع على معلومات دقيقة وموثقة عما تفعله بعض الدول العربية ضد المقاومة العراقية. هذا خجل على صعيد الدول العربية، أما الخجل الثاني فيأتي من أصدقاء وصديقات، وكلهم عراقيون عرب يعيشون في المنافي، لكنهم آثروا الصمت، وهم يرون وطنهم غارقاً في دم أبنائه. جل أصدقائي العراقيين هم من الشعراء والكتّاب والفنانين والنقاد. وإذا ما استثنيت الروائي عبدالمجيد الربيعي والشاعر عبدالرزاق عبدالواحد، فإنني لم أسمع من هؤلاء الأصدقاء كلمة حق وإن أريد بها باطل، وأعذر الأصدقاء والصديقات داخل العراق، لكنني لا ولن أعذر أولئك الذين ما زالت تتوازعهم المنافي. أين هو مظفر النواب الذي دوّخنا وهو يصرخ: «وضعونا في العصارة كي يستخرج منا النفط»؟ أين هو وهو يستنهض روح «جيهمان»، ويشيد ببطولة «ناصر السعيد»؟ أين أحمد مطر؟ وهل لافتاته التي كتبها على مدى 30 عاماً ضد الأنظمة العربية وصلت إلى مبتغاها عندما وصل الفرس إلى العراق؟ أخجل من ذاتي يا أحمد مطر، عندما أعلم أنك ابن المدينة التي أنجبت ناصر لعيبي. لماذا أصدر الراحل عبدالرحمن منيف كتباً عن تاريخ «المقاومة في العراق»، وهو على فراش الموت، بعد سقوط بغداد بشهر واحد، ولم أسمع لأي من الشعراء الذين رضعوا حليب بغداد قصيدة واحدة؟ أنا لا أستجدي شعراء العراق ومثقفيه أن يستنهضوا همم المقاومين، فهناك جيل جديد من الشعراء خرج من تحت ركام الفلوجة والأنبار والرمادي وهيت كتب للمقاومة: «طقن جيلات البرنو والهاون ثار» و«أحنا سباع الفلوجة»، تماماً مثلما كتب الذين سبقوهم «يا حوم اتبع لو جرينا» و«يا قاع ترابج كافوري». إن صمت شعراء العراق ومثقفيه، أكبر خدمة يقدمونها للمقاومة العراقية، لأنهم إن كتبوا لها توشحت السواد عاراً من كلماتهم. أتمنى أن تلتزم بعض الدول العربية التي استخدمت وما زالت تستخدم المقاومة العراقية، الصمت مثلما صمت مثقفو العراق وهم يرون الفرس يحوّلون بلادهم وشط العرب مكباً للنفايات الإيرانية.