أنهى منصور الجبران، المرحلة الابتدائية، والتحق بالقطاع العسكري، قبل 17 سنة، حمل فيه رتبة «جندي». كان كل طموحه حينها ان يحصل على راتب يساعد على زيادة دخل أسرته، ثم يساعده هو على بناء أسرة مستقلة؛ لكن طموحه في الخمسينات من عمره، أصبح مختلفاً، فهو على وشك نيل شهادة الدكتوراه، في تخصص «التوحد».ليس الجبران وحده من بات يحمل طموحاً لنيل شهادات عليا في البطالية، فالبلدة التي تبعد سبعة كيلومترات عن مدينة الهفوف (محافظة الأحساء)، احتفلت مساء أول من أمس، ب85 شخصاً، من مختلف الأعمار، يدرسون مختلف التخصصات الجامعية. فيما كانت هذه البلدة، وحتى ما قبل أربع سنوات، لا يوجد فيها سوى أربعة جامعيين. وإلى جانب كون الجبران، أحد المكرمين في الحفلة، التي حضرها جمع غفير من الأهالي، فإنه كان منسق الحفلة. وقد سرد قصته مع التعليم، منذ ان ترك مقاعد الدراسة بعد أن أنهى المرحلة الابتدائية، والتحق بالقطاع العسكري، «تركتها في سن مبكرة جداً. وبعد انقطاع طويل واجهت عوامل عدة، جعلتني أفكر جدياً في الدراسة، فأكملت المرحلة المتوسطة والثانوية مساءً، ثم التحقت بجامعة الملك عبد العزيز في جدة، منتسباً في تخصص اللغة العربية. وبعد أن أكملت المرحلة الجامعية، قدمت استقالتي من العمل، وكنت حينها أحمل رتبة «وكيل رقيب»، بعد 14 سنة من العمل، بعد أن حصلت على بعثة إلى استراليا، فأكملت الماجستير هناك في التوحد. والآن أواصل دراسة الدكتوراه أيضاً في استراليا، وذلك ضمن برنامج «خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي»، مقدماً شكره للقائمين على هذا البرنامج، على «الفرصة التي أتاحوها لنا». ويعتبر محمد حسين المسلم (50 سنة، وهو أكبر المكرمين)، الذي يدرس تخصص علم اجتماع في جامعة الملك فيصل، إقامة هذا الاحتفال التكريمي، «وقوداً وطاقة مُحركة وقوة إرادية تحفز المجتمع للرقي والتقدم إلى الأمام. وتزرع الثقة القوية في النفس البشرية». وعلى رغم فرحته؛ عبر عن أسفه لترك الدراسة في طفولته «عضضنا أصابع الندم عندما فاتنا في ريعان شبابنا وزهرة عمرنا طلب العلم، بسبب عوامل قاهرة وخارجة عن إرادتنا، منها اليتم والفقر والكبر والظروف المعيشية الأخرى؛ لكننا اليوم نحاول أن نشد من عزيمتنا، لتعويض ما فات. وأن نرسم طريقنا من جديد، وبخطى ثابتة، وألا نيأس من ذلك، أو نستسلم للجهل والكسل، وأن نشعل دربنا بنور العلم». بدوره، قال عمدة البطالية صادق الشيخ: «نجتمع لتكريم نخبة من شبابنا ورجالنا، الذين دفعهم حب العلم إلى أن نراهم يحملون من شهادات العلم ما نفخر به معهم»، واصفاً إقامة الحفلة ب»القليل في حق هؤلاء المميزين»، مشيراً إلى «المفهوم الخاطئ لدى الأبناء حول الدراسة، إذ يغرس في عقل الطفل في بدايات مراحل دراسته، مفهوم أن الدراسة غايتها الحصول على عمل، وليس الدراسة من اجل العلم والمعرفة؛ لذا يدرك المرء كم أن المحتفى فيهم هذه الليلة يستحقون منا هذا التكريم. لأنهم لم يتوقفوا عن طلب العلم، وسعوا جاهدين لاكتساب المزيد من العلم والمعرفة، ولم يثنهم عن ذلك كثرة مشاغلهم، وتزايد الأعباء عليهم، فكانت إرادتهم وعزيمتهم سبباً لسعيهم في الوصول لأعلى المراتب، وعلى رغم كبر سن بعضهم لم يثنه ذلك». وعن أهداف اللقاء، قال الجبران: «عندما نقيم هذا الاحتفال والتكريم لطلاب الانتساب نقوم بالتنبيه على أمور عدة، أهمها التشجيع على مواصلة الدراسة الجامعية، حتى مع عدم توافر الدراسة المنتظمة، وتسليط الضوء على هذا النوع من الدراسة غير المعروف، وربما غير المرغوب فيه. وتوضيح أهميته على المستوى الفردي والمجتمعي والوظيفي والتحصيلي، وكذلك تشجيع الأبناء على مواصلة الدراسة، ونشر ثقافة عدم التوقف عن مواصلة طلب العلم، وبث هذه الفكرة في أذهان الأبناء. فرجوع هؤلاء الشباب لمواصلة الدراسة بعد الانقطاع هو رسالة واضحة لجميع الأفراد على أهمية مواصلة الدراسة، وهو نتيجة تجربة مروا بها، ويؤكدون من خلالها أن الدراسة وطلب العلم هو المفتاح لرفع المشقة والتعب الذي عانوا منه سنين». وأضاف «إن من ثمرات هذا اللقاء هو تبرع فاعل خير بمبلغ 11 ألف ريال تخصص لأول خمسة خريجين من الثانوية يدرسون بالانتساب، ويرغبون في مواصلة دراستهم الجامعية، بحيث يتحمل هذا المتبرع عنهم تكاليف الدراسة الجامعية لمدة سنة واحدة». وتقاطعت الكلمات النثرية مع أبيات الشعر، في الاحتفال، وهو الأول من نوعه. وتخللت اللقاء قصائد شعرية للشاعرين ناجي حرابة ومحمد الفوز، وتكريم المنتسبين ولقاءات مع عدد منهم.