انطلقت زيارة الرئيس بشار الأسد لكييف ومحادثاته مع الرئيس فيكتور يانوكوفيتش وكبار المسؤولين في أوكرانيا، من «الرؤية الواضحة والمتوازنة للسياسة» ليرسم الجانبان خطة بعد «إعادة الحرارة الى العلاقات التاريخية» بينهما. ويتضمن ذلك مستقبلاً توقيع مزيد من الاتفاقات والتحضير لإقامة تجارة حرة بين البلدين، بالتزامن مع مساعي دمشق وكييف الى الانضمام الى «الاتحاد الجمركي» الذي يضم روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان، والتأكيد على تنفيذ الاتفاقات الموقعة، ورفع قيمة التبادل التجاري لفتح الأبواب واسعة بين البلدين ومنطقتي الشرق الأوسط وشرق أوروبا، إضافة الى اطلاق حوار سياسي بين مسؤولي البلدين. وشملت لقاءات الأسد خلال الزيارة الرسمية التي استمرت يومين، محادثات مع نظيره الأوكراني ورئيسي البرلمان فلاديمير ليتفين والحكومة نيكولاي ازاروف بحضور وزير الخارجية وليد المعلم والمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية الدكتورة بثينة شعبان، إضافة الى وزير المال محمد الحسين الذي يرأس الجانب السوري في اللجنة المشتركة. وأكد الأسد ويانوكوفيتش في كلمتين خلال مأدبة غداء رسمية، على «أهمية تمتين وتعميق العلاقات بين البلدين في جميع المجالات»، مشيرين إلى «العمل على فتح آفاق جديدة للتعاون بين سورية وأوكرانيا والإفادة من الإمكانات المتاحة للبلدين في تطوير التعاون الاقتصادي والصناعي وترجمته على أرض الواقع لخدمة مصالحهما حيث تأتي العلاقة بين سورية وأوكرانيا مكملة للعلاقة بين المنطقتين». وقال الأسد: «التجارب التاريخية، خصوصاً تجارب هذا العصر، أثبتت أن قوة الدول ليست العسكرية والاقتصادية فقط وإنما قوة الفكر أولاً، وهذا الفكر هو الذي يعطي الرؤية للسياسة، خصوصاً عندما تكون مبنية على قوة الشعب. وما تحتاجه هذه الرؤية لتصبح أمراً واقعاً هو الإرادة السياسية التي لمسناها لدى الرئيس يانوكوفيتش لدى محادثاتنا معه». وإذ أعرب الأسد عن «التفاؤل بدفع العلاقات قدماً بين البلدين»، قال الرئيس الأوكراني إن بلاده تعتبر سورية «بوابة أوكرانيا إلى الشرق الأوسط والعالم العربي»، وأن البلدين «يتمتعان بجميع الإمكانات لتطوير التعاون على الصعد كافة». ووصفت شعبان المحادثات بين الرئيسين ب «الودية والمهمة جداً» وأن يانوكوفيتش «عبر عن قناعته بأهمية الرؤية الاستراتيجية التي يتحدث عنها الرئيس الأسد، وهي ربط الإقليمين والمنطقتين من خلال ربط البحار الخمسة (المتوسط، الأحمر، قزوين، الأسود والخليج العربي)، خصوصاً أننا نشهد اليوم عالماً متغيراً يتغير من القطب الواحد إلى التكتلات الإقليمية المهمة التي تربطها الروابط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية». وأشارت إلى إمكان توقيع المزيد من الاتفاقات بين الجانبين في المجالات الاقتصادية والنقل الطرقي والبحري والجوي. وكان الجانبان وقعا ستة اتفاقات للتعاون الإعلامي والزراعي والنقلي والقنصلي والاستثماري. وبعدما استعرض مع رئيس البرلمان «علاقات التعاون البرلماني المشترك وإعادة الحرارة التاريخية لها بما يخدم مصالح الشعبين الصديقين وضرورة تفعيل جمعية الصداقة السورية - الأوكرانية واللجان البرلمانية المشتركة وتبادل الزيارات بين مسؤولي البلدين»، نوه الرئيس الأسد ب «الرؤية الواضحة والمتوازنة للسياسة التي تنتهجها أوكرانيا». وبحث الأسد مع رئيس الوزراء الأوكراني «علاقات التعاون الاقتصادي المشترك، خصوصاً في قطاعات النفط والكهرباء والنقل البحري والإنشاءات والتكنولوجيا المتقدمة والطاقة المتجددة والعمل على زيادة حجم التبادل التجاري الذي شهد نمواً ملحوظاً أخيراً». وكان الحسين قال في تصريح إن حجم التبادل التجاري بلغ قبل سنتين نحو 1.6 بليون دولار و«نتوقع أن ترتفع قيمة التبادل إلى مستويات أعلى لأن إمكانات كل من سورية وأوكرانيا كبيرة. ونحرص على أن تذهب الصادرات السورية إلى أوكرانيا في شكل سهل وسلس». وأشار الأسد خلال لقائه رئيس الوزراء الى أهمية اتفاقية التجارة الحرة المزمع توقيعها بين سورية وأوكرانيا وسعي البلدين الى الانضمام إلى الاتحاد الجمركي الثلاثي بين روسيا وبيلاروسيا وكازاخستان. وكان صرح أول من أمس بأن اتفاق التجارة الحرة الذي يتوقع أن يوقع قبل نهاية شباط المقبل سيفتح الأبواب واسعة أمام العلاقات السورية - الأوكرانية وسيعزز العلاقة بين المنطقتين. وكان الأسد قال في المؤتمر الصحافي رداً على سؤال ل «الحياة» يتعلق بآفاق التعاون بين سورية وتركيا والأردن ولبنان والعراق ومنطقة شرق أوروبا أن «العلاقات الثنائية الحقيقية لا يمكن أن تكون موقتة أو عابرة، بل لا بد أن تكون مبنية على رؤية بعيدة ولسنوات طويلة، وهذا لا يمكن أن يتم ما لم يكن لدى كلا الطرفين رؤية بعيدة لموقع بلده وعلاقته بالمناطق الأخرى». وزاد إن المحادثات كانت «ناجحة لأنها بنيت على رؤية واضحة سمعتها من الرئيس يانوكوفيتش في شأن وضع أوكرانيا في منطقتها، وهو وضع حساس، فهي تعيش على حدود الاتحاد الأوروبي مباشرة من جانب وعلى حدود روسيا من جانب آخر، وتربطها مع روسيا علاقات خاصة من المصالح واللغة والثقافة والتاريخ. وفي الوقت نفسه، ربما تكون أوكرانيا في يوم من الأيام عضواً في الاتحاد الأوروبي». وزاد: «علاقتنا مع أوكرانيا مبنية على رؤية متوازنة طرحها الرئيس يانوكوفيتش لهذه المنطقة. وفي الوقت نفسه، لدينا مصالح في الساحة نفسها، فنحن نعمل من أجل اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، ومن جانب آخر نسعى الى الانضمام إلى تجمع روسيا كازاخستان وبيلاروس، وكذلك الوضع بالنسبة الى أوكرانيا».