عمت أجواء الحزن إسرائيل على مقتل 42 شخصاً على الأقل، غالبيتهم من السجّانين، وإصابة عشرات آخرين في الحريق الهائل الذي ما زال يجتاح غابات جبل الكرمل في أعالي مدينة حيفا، وامتزجت بشعور العجز عن مواجهة «كارثة طبيعية» كان مفروضاً السيطرة عليها لو امتلكت إسرائيل مروحيات خاصة لإطفاء النيران لا تزيد كلفتها على عشرات ملايين الدولارات بينما تصرف البلايين للتزود بأحدث الأسلحة والطائرات. وشعرت إسرائيل بالحرج وهي تتوجه للمرة الأولى إلى دول العالم بطلب تقديم المساعدة. وتساءل معلقون إسرائيليون: «كيف لدول صغيرة مثل قبرص وأذربيجان أن تمتلك مروحيات خاصة لإطفاء الحرائق فيما دولة تعتبر نفسها دولة عظمى تفتقر إليها». وتضاعف الحرج عندما أعلنت تركيا، التي استثناها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو من الدول التي توجه إلى قادتها طالباً المساعدة على خلفية أزمة العلاقات بينهما، أنها أرسلت طائرتين من طراز «سي إل 215» إلى إسرائيل للمساعدة في مكافحة النيران. واضطر نتانياهو إلى الإشادة، في حديث مع وسائل الإعلام، ب «الخطوة التركية المباركة التي بادر إليها شخصياً رئيس حكومتها رجب طيب أردوغان»، وقال إن إسرائيل ستعرف كيف تجد السبيل للتعبير عن امتنانها. ولاحقاً أجرى نتانياهو اتصالاً هاتفياً مع أردوغان، هو الأول بينهما منذ عام ونصف العام، لتقديم الشكر له على إرسال الطائرتين. وقدم أردوغان تعازيه بالخسائر البشرية في الحريق وأعرب عن استعداده لمواصلة تقديم أي مساعدة للتغلب على ألسنة النيران. ورد نتانياهو شاكراً، معرباً عن أمله في أن يشكل هذا الحدث فاتحة لتحسين العلاقات بين البلدين. وأشاد نتانياهو باليونان التي كانت أول من أرسلت مروحيات باشرت العمل في إخماد النار، وقال إنه هاتف أيضاً رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين والرئيس ديمتري ميدفيديف «وشكرتهما والشعب الروسي على التجاوب الفوري والمساعدة الجدية التي وفرتها روسيا لإطفاء الحريق»، من طائرات خاصة وبرمائية ومروحية ومواد لمكافحة الحرائق، وتقديم المشورة لرجال الإطفاء في شأن كيفية إخماد النيران. وقال للصحافيين إن روسيا تملك أفضل خبرة في إطفاء الحرائق، وأن بوتين وعده بتقديم كل ما يلزم من مساعدة. وأضاف أن التجاوب الدولي مع نداءات إسرائيل «غير عادي ورائع يجب أن يبعث على ارتياح لكل المواطنين في إسرائيل، وهذا يؤكد أن هناك تأييداً وتعاطفاً مع إسرائيل من كل حدب وصوب». وأرسل الأردن عدداً من الشاحنات يحمل أطناناً من المواد الكيماوية لإطفاء الحرائق. وشحنت طائرات أخرى عشرات الأطنان الأخرى من المواد الكيماوية من نيويورك وباريس وعدد من العواصم الأوروبية. وكان نتانياهو عقد في ساعات الصباح اجتماعاً طارئاً لحكومته الأمنية المصغرة، وأعلن قبل بدء الاجتماع أنه سيتم قريباً عرض «برنامج قومي لإعادة تأهيل الكرمل ولشراء مروحيات لإطفاء الحرائق». وقال: «إننا بصدد كارثة بحجم دولي»، شاكراً قادة الدول التي هبّت للمساعدة. وكان نتانياهو ألغى منذ ظهر أول من أمس جدول أعماله وتفرغ لمتابعة تطورات في جبل الكرمل وقام بزيارة قرية عسفيا ومعايدة الجرحى والالتقاء بأسرهم وكبار المسؤولين في هيئة إطفاء النيران والشرطة. وعلى رغم الإغاثة الدولية، أوضح المسؤول عن هيئة الإطفاء إنه فقط في حال عملت المروحيات العشرين المتوقع أن تكون وصلت حتى مساء أمس، بكثافة وعلى مدار الساعة وخلال الليل، قد يكون ممكناً إطفاء الحريق حتى مساء اليوم. وخلال 30 ساعة التهمت ألسنة النيران التي أججتها أمس أيضاً رياح شرقية قوية وطقس حار وشديد الجفاف، أكثر من 10 ملايين متر مربع من الغابات وأتت على عشرات المنازل في القرى والبلدات المجاورة وأحرقت بالكامل «كيبوتس بيت اورن». وتم إخلاء نحو 20 ألف مواطن من أكثر من 15 بلدة. كما تم إخلاء حي كامل في قرية عسفيا العربية المجاورة لموقع الحريق، إضافة الى قواعد عسكرية قريبة ومشفى للأمراض العقلية في بلدة «طيرات هكرمل» في سفوح الجبل ومعتقلات وسجون، فيما أتت النيران على عدد كبير من الحيوانات والطيور المنتشرة بكثافة في الغابات. وبين القتلى عدد من أبناء الطائفة الدرزية الذين يلتحق عدد كبير منهم بمصلحة السجون مع إنهاء الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش. وكان السجانون القتلى في طريقهم إلى سجن الدامون الذي التهمته ألسنة النيران للمساعدة في نقل نزلائه (نحو 500 سجين فلسطيني) إلى سجون أخرى، إلا أن الحافلة التي أقلتهم نحو السجن اصطدمت بكتلة نارية أتت عليها وعلى معظم من فيها. ولا تزال الشرطة تحقق في أسباب الحريق وعمّا إذا كان مصدره حريق في مكب قمامة غير قانوني تابع لبلدية عسفيا، أم أنه فعل فاعل على خلفية قومية. ولم ينتظر النائب الدرزي في حزب «ليكود» اليميني أيوب القرا تحقيقات الشرطة بل «تطوع» للتحريض على المواطنين العرب حين دعا في مقابلات متلفزة، ومن دون أن يُسأل، إلى «إعدام الفعَلة» في حال ثبت أن الحريق كان متعمداً على خلفية قومية. وأمس اندلع حريق في أحراش مدينة شفاعمرو وآخر في بلدة «بسمة طبعون» البدوية وثالث في مصنع في بلدة تسور شالوم اليهودية. وتقول الشرطة إن لديها معلومات بأن «عصابة من ثلاثة شبان عرب» تجول بلدات مختلفة في منطقة حيفا والشمال وتشعل النيران «على خلفية قومية». اتهام الحكومة بالتقصير في غضون ذلك، حملت وسائل الإعلام العبرية بشدة على «تقصير» وزارة الداخلية في التأهب لمواجهة مثل هذا الحريق. ونقلت «يديعوت أحرونوت» عن خبراء إسرائيليين في مجال إخماد الحرائق قولهم إنه «لو كانت في حوزة إسرائيل طائرتان لإخماد الحرائق لأمكن السيطرة على الحريق في جبل الكرمل خلال فترة قصيرة». وكتب المعلق العسكري في الصحيفة أليكس فيشمان أن العجز في إخماد الحرائق «يشكل نموذجاً للعجز الذي تعانيه منظومة خدمات الطوارئ في دولة إسرائيل كلها، وهي الخلية الأضعف». وتساءل: «ماذا كنا سنفعل لو سقطت على إسرائيل عشرات أو مئات الصواريخ وأدت إلى إشعال حرائق؟ هل إسرائيل مستعدة فعلاً لمثل هذا الوضع؟». وأضاف أن ادعاءات المؤسسة الأمنية بأن الجبهة الداخلية جاهزة لمواجهة سقوط صواريخ عليها، سقطت «وما حصل الآن يشكل برهاناً حياً على أنها ليست جاهزة مطلقاً، ويمكن القول إن خدمات الإطفاء الموجودة في إسرائيل هي مثل الخدمات الموجودة في العالم الثالث». وتحت عنوان «انهيار»، كتب المعلق السياسي في صحيفة «هآرتس» ألوف بن: «أمس اتضح أن إسرائيل ليست جاهزة لمواجهة حرب أو عمل إرهابي كبير يوقع إصابات عديدة في الجبهة الداخلية ... إن تحذيرات رئيس شعبة الاستخبارات من أن الحرب المقبلة ستكون أقسى من سابقاتها وأن تل أبيب ستكون الجبهة المستهدفة، لم تترجَم بإعداد مناسب للهيئات المخولة حماية الجبهة الداخلية... في هذه الحال يجدر بإسرائيل أن لا تخرج في حرب ضد إيران».