طهران - أ ف ب، رويترز - حوصرت واشنطن امس، بوثائق الديبلوماسية الأميركية السرية التي سربها موقع «ويكيليكس»، وفضحت طريقة تعاطي الديبلوماسيين الأميركيين التي تبقى سرية غالباً مع عدد من القضايا». وانهمكت ادارة الرئيس الأميركي باراك أوباما في السعي الى احتواء «الأضرار» الديبلوماسية والأمنية الناجمة عنها، والبحث عن مخارج قانونية وإجراءات لوجيستية لمنع تكرار العملية. لكن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون استبعدت أن تؤذي تسريبات ويكيليكس العلاقة بين الولاياتالمتحدة وحلفائها، مشيرة الى أنه فيما «تحجم» التسريبات من جهود واشنطن للعمل مع باقي البلدان حول «مشاكل مشتركة» فان هذه العلاقات الثنائية «ستصمد» وتبقى «أولوية» لدى ادارة أوباما. ورأت في التسريبات «تهديداً للأمن القومي» الأميركي واعتداء «على المجتمع الدولي ... والمفاوضات التي تحصن الأمن العالمي». وفي المقابل، أكدت اسرائيل ان التسريبات التي عرضت خصوصاً لمخاوف الدول من البرنامج النووي لإيران، لم تلحق أذى بها، فيما وصف الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد التسريبات بأنها «عمل طائش لا قيمة له، اذ لن تؤثر على علاقاتنا بجيراننا العرب»، باعتبار ان الوثائق اشارت الى ان دولاً عربية حبذت توجيه ضربة لإيران. وقال الرئيس الإيراني: «قدم قطاع من الإدارة الأميركية الوثائق التي لا نعتقد بأنها معلومات مسربة بل منظمة لتتسرب بشكل متكرر من اجل خدمة أهداف سياسية تصب في اطار الحرب النفسية الأميركية». وعلى وقع الهزة الديبلوماسية الأكبر التي عصفت بواشنطن منذ فضيحة «ووترغيت» التي أطاحت الرئيس السابق ريتشارد نيكسون العام 1974، تحركت الإدارة الأميركية على جبهاتها الديبلوماسية والاستخباراتية والاشتراعية والقانونية للحد من تأثيرات التسريبات التي رأت صحيفة «بوليتيكو» أنها تستهدف «القوة الأميركية أولاً وأخيراً». وأمر البيت الأبيض الأجهزة الرسمية بتشديد إجراءات التعامل مع المعلومات السرية والبرقيات الديبلوماسية «لمنع مستخدمي المعلومات من الوصول إلا الى ما يلزمهم لأداء وظائفهم بفاعلية، وفرض قيود على استخدام المعلومات السرية، وقطع الطريق على وصولها إلى الإعلام». وأكد وزير العدل الأميركي أريك هولدر «فتح تحقيق جنائي مشترك بين وزارتي العدل والدفاع « في شان التسريبات ستعلن نتائجه في الوقت المناسب، علماً ان وزارة الدفاع تعتبر الضابط في الجيش الأميركي برادلي ماننيغ، والمعتقل في واشنطن، المشبوه الرئيسي بتسريب الوثائق. واستكملت الإدارة وأجهزتها القانونية بحثها عن وسائل في القانون الدولي لملاحقة «ويكيليكس» امام القضاء، فيما دعا نواب جمهوريون، بينهم الرئيس المقبل للجنة الأمن الداخلي في مجلس النواب بيتر كينغ الى تصنيف الموقع ضمن «المنظمات الإرهابية لأن ما نشره يستهدف الأمن القومي الأميركي مباشرة، ويعرّض حياة الجنود الأميركيين للخطر». كما دعا الى مقاضاة الموقع بتهمة التجسس. وفي اسرائيل، اعلن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو ان نشر الوثائق الجديدة ل «ويكيليكس» مفيد ويحقق خرقاً نحو السلم الدولي، «في حال قال زعماء عرب في المنطقة علناً ما يرددونه في اجتماعات مغلقة حول خطر ايران». وزاد ان «إسرائيل لم تتضرر أبداً من نشر الوثائق التي تتناسب مع تقديراتها لخطر ايران النووي وتؤكد دعم جهات كثيرة لها. ويؤكد ذلك الرواية التي تتغذى منذ 60 سنة من الدعاية التي توجه ضدنا وتعتبر إسرائيل الخطر الأكبر على المنطقة»، معتبراً ان «زعماء المنطقة يدركون اليوم أفلاس هذه الرواية، ويحصل للمرة الأولى في التاريخ توافق بأن ايران هي الخطر». وكتب أحد معلقي الصحف العبرية أن «إسرائيل لم تتجنب ضرر نشر الوثائق فقط بل لم تُخدش حتى، وربما استفادت»، مضيفاً ان «ويكيليكس» لم ينجح في التغلغل في القنوات الحساسة للعلاقات الأميركية - الإسرائيلية، ولم يكشف شيئاً مما دار بين رؤساء الحكومات الإسرائيلية والرئيس الأميركي السابق جورج بوش في العقد الأخير، «ما يؤكد أن المسؤولين الإسرائيليين لا يفشون أسراراً خطرة لموظفين من الصفوف الخلفية». في المقابل، رد مسؤول فلسطيني بارز على زعم «ويكيليكس» ان وزير الدفاع الإسرائيلي ايهود باراك ابلغ الرئيس محمود عباس نية اسرائيل شن حرب على غزة، وعرضه تولي السلطة الفلسطينية الحكم في القطاع في حال هزيمة «حماس»، وهو ما رفضه عباس، بالقول إن «الرئيس الفلسطيني وجه رسائل الى حماس عبر طرف ثالث لمطالبتها بعدم اعلان انتهاء الهدنة، لأن اسرائيل تبحث عن ذريعة لمهاجمة غزة لكن حماس شككت في نيات الرئيس». وفي الأردن، قلل مصدر رسمي من اهمية ما نشره «ويكيليكس» في شأن مواقف من قضايا اقليمية نقلها ديبلوماسيون اميركيون التقوا مسؤوليين اردنيين. وقال: «أكد الملك عبدالله الثاني والمسؤولون الحكوميون مرات مضمون وثائق ويكيليكس خلال لقائهم مسؤولين اميركيين ودوليين، والمتمثل في رفض أي عمل عسكري ضد إيران بسبب نتائجه الكارثية على أمن المنطقة واستقرارها». وزاد: «أكد الأردن دائماً ضرورة التعامل مع الملف النووي الإيراني عبر الطرق الديبلوماسية والسلمية، وضرورة خلو منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والتزام دول المنطقة بالقوانين والمواثيق الدولية في هذا الشأن».