آلاف الفتيات الصغيرات يولدن هنا لآباء سعوديين، لكن أحدا من هؤلاء الآباء لم يلخص بأمانة وصدق كيف يشعر الأب السعودي تجاه مولودته الأنثى كما فعل مؤخراً أشرف فقيه في مقالته الرائعة المنشورة على موقعه الشخصي. بكلماته الصادقة رسم ملامح الواقع السعودي الذي تعيش فيه ملايين النساء هنا، لم يتصنع ولم يدّع أن مجيء البنات بركة ورزق للعائلة، صرّح تماما بكل ما يخفيه أي أب سعودي اليوم داخل قلبه: "أعتقد أن مشاعر الخوف والقلق تتغلب على مشاعر الفرح عندي". رجل مستنير مثله أوضح بدقة في عباراته سبب تخوفه "مجتمع لن يرحمها وسيحكم عليها في كل حال... رجل أو وغد صغير قد يكون أكبر خطر يتهدد سعادتها... مولودة في عالم معاد لها... كائن ناقص الأهلية...". يقرر أشرف هنا أن سبب تخوفه ليس فقط من الرجل الذي سيتزوجها يوما ولكن المجتمع الذي يعاديها في كل حال، وال25 من نوفمبر يوافق اليوم العالمي لإزالة العنف ضد المرأة، وهو اليوم الذي تم اختياره في الأممالمتحدة تخليدا لذكرى ثلاث أخوات قتلن نتيجة لنضالهن السياسي على يد رئيس دولة الدومينيكان، ولأهمية مشكلة العنف ضد المرأة فقد تبنتها الأممالمتحدة كقضية مهمة للمتابعة حول العالم وأطلقت حملة ضخمة لمراقبة تطبيق الدول الأعضاء لبنود اتفاقية إزالة أشكال التمييز ضد المرأة، تهدف حملة الأممالمتحدة لتمكين المرأة من حماية نفسها وأطفالها من العنف سواء من جانب شخص في الأسرة أو العنف الممارس ضدها بسبب تشريعات وقوانين الدولة، المرأة المعنّفة أكثر عرضة للمشاكل الصحية والنفسية والتي تشمل الحمل الغير مرغوب والإجهاض والولادة المبكرة أو وفاة الجنين، كما أن أطفالها أكثر عرضة للمشكلات الصحية أيضا نتيجة لقلة الرعاية والفقر، والعنف ظاهرة عالمية تتعرض بسببها بحسب الدراسات أكثر من 70 في المئة من النساء في العالم للمشكلات. وفي دراسة وحيدة هنا تمت في المدينةالمنورة ظهر أن هناك واحدة من كل خمس نساء حوامل يتعرضن للعنف النفسي والجسدي من الزوج مع تأثير ذلك على زيادة حالات الإجهاض والولادة المبكرة وخطورة مضاعفات الحمل، أما تقرير مبعوثة الأممالمتحدة للسعودية فقد انتقد القوانين العامة التي تميز ضد المرأة وتجعلها عرضة للعنف المنزلي والمجتمعي. وعلى رغم تعاون الحكومة هنا مع المؤسسات الدولية وتوقيعها على القوانين والاتفاقيات الدولية فببعض القوانين تجعل النساء عمليا أقل من الرجال في المكانة داخل الأسرة، وتميز بين الجنسين في فرص التوظيف وحرية التنقل والقيادة والسفر، ولا تمنح أطفال السعوديات المتزوجات من أجنبي الجنسية كما تنمحها لأطفال السعودي المتزوج من أجنبية، كما انتقدت الدراسة ممارسات التمييز ضد المرأة في رفع الشكاوي وفي تعامل الشرطة الدينية معها. وانتقدت لجنة سيداو المعنية بمتابعة تطبيق اتفاقية إزالة أشكال التمييز ضد المرأة نظام الفصل بين الجنسين ونظام الولي المعمول به هنا في المؤسسات الرسمية، بوصفه مضعفا من حقوق المرأة وخياراتها في الزواج والعمل والتعلم وحضانة الأطفال والميراث والتملك ومكان الإقامة، كما انتقدت سيداو ارتفاع عدد حالات العنف وغياب قوانين التعامل معه، لخصت المبعوثة العامة أهم عوائق المرأة هنا والتي تجعلها عرضة للعنف المستمر "غياب الاكتفاء الذاتي والمادي، وعدم استقلالية المرأة، والممارسات التي تحيط بالطلاق وبحضانة الطفل، وغياب قانون يجرم العنف ضد المرأة، وعدم الاتساق في تطبيق القوانين والإجراءات، كل ذلك يحول دون قدرة إفلات المرأة من بيئة الإيذاء التي تتعرض لها. وفي هذا الصدد فإن الإفتقار إلى القوانين المدونة التي تنظم الحياة الخاصة يشكل عقبة رئيسية تحول دون وصول المرأة إلى العدالة. علاوة على ذلك فإن عدم وجود رقابة كافية للممارسات القضائية من قبل السلطات المعنية يسمح بصدور أحكام تقديرية في المحاكم وهذا بدوره يسمح بإجراءات تعسفية تكرس السيطرة على المرأة في الحياة العامة والخاصة". أدرك أشرف ببساطة أن ابنته لن تنشأ هنا في عالم يدعم خياراتها ويمنحها الحق في التعامل الإنساني العادل والأمن الكافي كما يمنح الرجل. توقفت عند كلمة قالها: "هناك أزمة رجال... لذا فإننا خائفون على نسائنا وبناتنا ونتمنى لو لم يكن خلقن". وعلى رغم قسوة هذه الكلمة إلا أنها حقيقية، تتداولها أمثالنا "هم البنات للممات"، وتعكسها ممارسات إخفاء المرأة والتشديد عليها خوفا من الذكور حولها ومن تعرضها لخداعهم وتلاعبهم بمصيرها. لذلك أقول لأشرف ولكل رجل يحب ابنته وأخته وزوجته لا تقف مرددا ما يقوله القدماء. اعمل معنا حتى تكون ابنتك قوية وآمنة، اعمل معنا على خلق بيئة صديقة للنساء هنا. امنح اتفاقيات وقوانين تمكين المرأة الدعم لتعيش تحت ظل قوانين عادلة تمكنها من نيل حقوقها بكرامة وعدالة وتمنع التمييز والعنف ضدها وضد أولادها، اعمل معنا حتى لا يقتل خوفك من أنوثة مطاردة هنا منذ الأزل فرحتك بقدوم ابنتك. * كاتبة سعودية. [email protected]