ودع قرابة ثلاثة ملايين حاج المشاعر المقدسة أمس (الجمعة) بعد تحقيقهم أمنية العمر عبر أداء عبادة تكفّر الذنوب وتعيد صياغة وجدان وسلوك المسلم الحق، مرددين مع شاعر أندلسي( لَيت أني تربة الوادي إذا ، مرّ بي ركب لثمتُ الأرجلا، تُرْبةٌ للوحي فيها أثر، فاكْحلوا بالنور منها المقلا)، ومسكونين بعبق المكان الموقد مشاعرهم حنيناً إلى عودتهم متلفعين البياض إلى واد غير ذي زرع لطالما تشوفوا إلى تحقق شرط «الاستطاعة» ليدونوا حضورهم المشرّف في سجل الركن الخامس من أركان الإسلام، مؤملين الفوز بأجر ومثوبة تمحو خطايا الأعوام السالفة، وتبث روح التفاؤل والأمل في قابل الأيام بعيداً من القنوط كونه لا يقنط من رحمة ربه إلا الضالون. وشهد مراقبون بنجاح موسم حج هذا العام في ظل تجنيد ما يزيد على 100ألف من الكوادر البشرية المؤهلة، أسهمت في ضمان سلامة الحجاج وسط منظومة خدمات متكاملة حققت انسيابية في حركة تصعيد وتفويج الحجيج في ظل مشاريع حيوية متجددة أبرزها قطار المشاعر وشبكة الجسور المطورة. وتزف السلطات السعودية وفود الحجيج في رحلة العودة إلى بلدانهم بوداعية تليق بالضيف والمضيف، مرسخين في ذاكرة المغادرين صورة بلد طالما انحاز للحب والخير والجمال والموقف المشرف،إضافة إلى ما له من فضل سابق تمثل في إخراج الناس من الظلمات إلى النور، لتلهج ألسن سائلة ربها أن يهب قادة وشعب السعودية أمناً ورخاءً، مشيدين بدور ومكانة المملكة وفضائلها المتجلية في تحمل تبعة ملايين المسلمين المتلهفين إلى أداء شعيرة تغفر لزوارها الذنوب وتحط عنهم الأوزار في أجواء آمنة مطمئنة وخدمات مثلى يصنفها البعض في خانة المثالية، مصطحبين عبق المكان وحنيناً محرّضاً على التفكير الجاد في قرع أبواب العودة إلى روحانية البلد الحرام. وأوضح وكيل إمارة منطقة مكةالمكرمة الدكتور عبدالعزيز الخضيري أن اللجان المعنية بالإشراف على الحج تهتم برصد جميع الملاحظات السلبية والإيجابية لتضع الرؤى والبرامج الموصلة إلى تطوير العمل وتحقيق التكامل بين المؤسسات الموكل إليها مهمات الحج، مؤكداً أهمية توعية الحجيج عبر الشراكة بين الجهازين الحكومي والخاص والعمل على كل ما من شأنه الاهتمام بضيوف الرحمن تحت مظلة كرامة الحاج، مؤيداً خلق مساحة تنافسية بين القطاع الخاص في الأعوام المقبلة للرقي بكل ما من شأنه تحقيق المنجز المشرّف.