بينما يتنقل الحجاج من مشعر إلى آخر، حتى تنتهي بهم رحلة النسك المعظم إلى البيت الحرام لتأدية طواف الوداع، تنبعث روحانيات الحج كنفحات تملأ الديار المقدسة، بعد أن منوا أنفسهم برحلة العمر لسنوات عدة، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ومستبشرين بأجر الفريضة. تتنقل كاميرات التلفزة في كل أنحاء المشاعر لتبث صورة حية لبياض الأرض التي تملؤها الخيام، وبياض اللباس الذي يرتديه الحجاج، فيرسمون لوحة فسيفساء بشرية، تحيي في النفس مشاعر إيمانية نادرة، وعندما ينقل التلفزيون رسائل الحجاج إلى ذويهم ينقلون لهم مشاعر الفرحة والسعادة بتأدية الفريضة، ممهورة بأسمائهم وعناوين إقامتهم وبلدانهم، فإن روحانيتهم تنتقل ك «عدوى» إلى المشاهدين فتحفز رغباتهم في تأدية الحج في الموسم المقبل، وتشعرهم بغبطة مفرطة عندما فاتتهم فرصة الحج هذا العام. وتشهد حالات كثيرة بأن متابعة غير المسلمين للنقل الفضائي لشعائر الحج قد أحدثت لديهم اندهاشاً وذهولاً من هذا المشهد، وفضولاً للتعرف على الدين الإسلامي، فيعلن كثير منهم دخوله في الإسلام بعد تعرفهم على جوانب روحية مثيرة ونادرة كانوا يفتقدونها. لن يكون المشهد غريباً عندما يحتشد جمعٌ من الحجاج كلما صادفوا كاميرات التلفزيون يتسابقون ويتهافتون على الوقوف أمام الكاميرا وتسجيل مشاعرهم الإيمانية في لحظات التطهير والخلاص من الذنوب وما وجدوا من سهولة ويسر في تأدية النسك، ويرفقون مع حديثهم دعواتهم للأهل والأحبة بأن يبلغوا الأرض المقدسة ليعيشوا هذه التجربة. تعليقاً على هذه الحال يرى الاختصاصي النفسي الدكتور خالد باحاذق أن كثيراً من الحجاج لديهم اعتقاد أن مواجهة الصعوبات مهما كانت في رحلة الحج تزيد من الأجر عند الله، وهم عندما يتحدثون عبر رسائلهم التلفزيونية القصيرة يعبرون عن مشاعرهم بالفرح الذي يبدو على وجوههم أو دموع الفرح التي تنسكب تعبيراً عن السعادة في تحقيق أمنيتهم. الشعور بهذه الحال، بحسب باحاذق، يأتي بعد صعوبات واجهت الحجاج في طريق التجهيز لهذه الرحلة، فكثير منهم فقراء يدخرون الأموال لسنوات طويلة، أو يضطرون للاقتراض أو الاستدانة من أجل الوصول إلى الرحاب الطاهرة، وعندما تتحقق رغبتهم يحدث الشعور بالانتصار فيكون التعبير بالفرح الغامر، أو الدموع، وعندما يرى المشاهد هذه الحال يتمنى أن يشعر بهذه السعادة ويمني النفس بتأدية الفريضة، خصوصاً وأن الفريضة جانب تعبدي، والجمهور الإسلامي لديه عاطفة دينية كبيرة. ويستطرد باحاذق في وصف هذه الحال بقوله: «عندما يتعلق الأمر بالحصول على الثواب والأجر العظيم ستكون صعوبات الحج أمراً يسيراً مقارنة بمن يشعر بسعادة غامرة وهو يعلم أنه سيلاقي الموت في سبيل الدفاع عن أرض أو قضية، فهو يعتقد بأن مكافأته الجنة أو الشهادة مهما كانت التضحيات كبيرة».