لو أنني ألقيتُ قلبي في يديكْ، لو أنني عرَّشتُ نحوكَ أغنياتيَ وارتويتُ بدمعتيَّ.. ودمعتيكْ. لو أنني أسرجتُ من أنهارِ روحيَ زورقًا.. وعبرتُ في الحلمِ المضيءِ إلى سواحلِ جنَّتيكْ. لو أنني سرَّحْتُ من كفّي الحمائمَ والعصَافيرَ الخجولةَ من دَمِي، وغرفتُ من شغفِ الحقولِ حكاية الأزهارِ والعُشبِ الكتومْ، لو أنني حرَّرتُ من شفتي النجومْ. وأفقتُ من جرحِ المساءِ ومن تآويل الغيومْ، وأبحتُ صَوتي للغروبِ المستكينِ بناظريكْ.. توَّجتُكَ العمرَ الذي.. لم يمضِ إلا كي يباركَ مولدي –مِنْ ومضةٍ- في راحتيكْ. لو أنني.. لم أدَّخر شغفَ المزاميرِ الحزينةِ للغناءْ، لم أُخْرِسِ الموجَ الظميء إلى المرافئِ في الشتاءْ. لم أُلقِ أجنحتي التي حنَّت ْكثيراً للسَّماءْ. لو أنني أهديتُ قلبي قبل أن يُنسى زمانُ المعجزاتْ.. وقبل أن تَصْفَرَّ من وجعي الزُّهورْ، -إني أخافُ عليكِ من وأدِ الزهورْ! وأخافُ أشباهَ الظلالِ أخافُ عُشَّاقَ العبورْ، وأخافُ جورَ الليلِ إذ يُرخِي الثَّواني بين عصفورِ البياضِ وبين أنيابِ النُّسورْ، وأخافُ فيكِ جمانةً زرقاءَ تسطعُ في يدي، أخشَى عليها أن تَبُورْ، أخشَى عليها من شظايا الزيفِ من غدر الرياحِ ومن بداياتِ الفُتورْ. كنتُ الذي حملَ العُطورَ إلى رُموشكِ هل تحبينَ العُطورْ؟ كنتُ الذي جابَ العواصِمَ كلَّها ليُفيضَ في كفَّيكِ نورْ. كنتُ الذي نهرَ النوارسَ كلَّها إلاكِ، نَورسَة البحورْ. كنتُ المهاجرَ في فضاءِ العمرِ لا أبغي سِوى.. أن أستظلَّ بوردةٍ في عشبِ قلبكِ هَا هُنا. لو أنني.. لو أنني.. لو أنني.. لو أنني حررتُهُ هذا الشعورْ! ونفختُ فيه النَّارَ، والجمرَ العصيّ على الترمّدِ والعصيّ على الظُهورْ، لو أنني لم أبتدعْ للصَّمتِ أسبابًا.. وللخطواتِ سورْ! -لو أنني لم أنتظرْ! لم أقْتَعِدْ وَجَلي المضمَّخِ بالهوى، لم أشكُ من فزَعِ المسافةِ من نُتوءٍ في الجوى. لو أنني كذَّبتُ كلَّ نميمةٍ في الغابةِ الملأى بأجنحةِ الغُرابْ، وأعدتُ للغصنِ الوريفِ نداءهُ الماضِي المُجابْ. ومَسحتُ عن جزعِ الخريفِ دموعَهُ وأفَضْتُ من صَدري العِتابْ. وأعذتُ روحكَ مِنْ مَلمَّات الزَّمانِ ومِنْ وشايات الصحابْ. وأنختُ قلبي للسؤالِ لكي يواسيهِ الجوابْ. وسألتُ في الليل الذي سرقَ المواويلَ البريئةَ عن هِلالٍ لا يموتُ فكيفَ في روحي اضمحلَّ، وكيفَ عن عينيَّ غابْ؟ عن أمنياتي كيفَ شرَّدها الجفافُ وكيفَ أفسَدها السَّرابْ؟ وكيف صَّلتْ للبياضِ المستطيلِ وكيف باءتْ بالعذابْ؟ ومَضَتْ إلى حَوضِ اليقينِ تذودُ عن ماءِ الخلودِ ولا تُساومُ في الشرابْ. لكنَّها.. نَسِيتْ جِراحكَ في وجيفِ الوقتِ لم تنقِشْ عَناويناً على شَجرِ الطَّريقِ لكي يبوءَ بذنبهِ إنْ عَادَ، أو أفضى وتَابْ. لا غرو أن تنأى الحِكَايةُ والمدادُ بلا كِتابْ. لا غروَ أن تقسُو الفُصُولُ إذا تبنَّاها اليَبَابْ. لا غَروَ أن يَنْفَضَّ طيرٌ لَمْ تُؤانِسْ صَمتَهُ شمسٌ فأسْلمَ ما تبقَّى من نَشيدٍ.. للظلامِ، وللغِيابْ. * شاعرة ومترجمة سعودية.