تهانٍ كثيرة أولها بالتأكيد بعيد الأضحى المبارك، ومعها بوادر نجاح موسم حج هذا العام بجهود الحكومة وتعاون الناس معها، وأخيراً التهنئة بتمديد الإجازة التي فرح بها البعض أكثر من فرحتهم بالعيد. أفراح كثيرة، أتمنى ألا تكون وجبتها الرئيسية اللحوم، رغم أننا في موسمه، وتذكروا أن الغالبية تأكل اللحم طوال العام، فلا داعي للادعاء أن هذه مناسبة للحم، والأولى التعقل، خصوصاً أن ذبيحة هذا العام وصل سعرها إلى راتب كثير من الموظفين الشباب في الوظائف التي تم قصرها عليهم وعلى رأسهم الأخ «سيكوريتي»، ضحية الضعف والاستسلام وسلبيتنا في التعاطي مع واقع شبابنا وحاجاتهم. حملات التوعية قبل الحج آتت بعض أكلها، وكنت في رحلة مكة عبر طريق السيل ورأيت كثيراً من الحجاج ينزلون قبل نقاط التفتيش ويمشون بأرجلهم، بدا واضحاً أنهم يتجهون للحج بلا تصاريح، لست متأكداً، لكن لا أجد تفسيراً لنزولهم ونسائهم وأطفالهم والمشي عبر الجبال والوديان المجاورة إلا أنهم ينوون الحج بلا تصريح. عدت إلى الطائف في اليوم نفسه، وسألت عن الظاهرة فقيل إن كثيراً منهم ذهب إلى المؤسسات ولم يجد مكاناً شاغراً، أو وجده بأسعار لا يستطيع توفيرها، وهنا يظهر الوعي الديني ودور الدعاة والمفتين الذين يجب عليهم إفهام هؤلاء أن عدم الاستطاعة تسقط الفريضة. لنعترف أن بعض مواطنينا ومقيمينا يساعدون هؤلاء في المخالفة، وهنا ينبغي أن توجه حملات التوعية إلى الناس بأن مساعدة المخالفين معصية لولي الأمر، وأيضاً هي تضر بالقادمين بشكل نظامي من أصقاع المعمورة. هناك أيضاً مشكلة عاطفية، مفادها الجملة التي يرددها البعض حتى من موظفي الدولة وهي «لن نرد أحداً عن بيت الله»، هنا فهم خاطئ للوضع أو القضية، فبيت الله والمشاعر المقدسة في هذا الموسم لا تستطيع استيعاب الجميع، والمملكة مع بقية الدول الإسلامية اتفقوا على تنظيم المسألة لإتاحة الفرص للجميع بالتناوب. يستهل كثير من المواطنين والمقيمين الذهاب للحج من دون تصريح، وهم يعرضون أنفسهم وغيرهم للخطر، فضلاً عن عدم قدرتهم على أداء الفريضة بطمأنينة وخشوع كما يجب، فالحج ليس فقط الوجود الفيزيائي في المكان، بل هو حضور روحي لا أعتقد أنه سيتأتى لمن يفترش الأسفلت ويتوسد الرصيف، قابعاً بين الأرجل زاحماً نفسه ومزاحماً غيره. نعرف أن البعض فقير الحال، وقربه من المشاعر المقدسة وكثرة من يحثونه على أداء الحج تضغطان عليه، وهنا عليه اللجوء للجمعيات الخيرية وللموسرين الذين يحبون أن يسهموا في كلفة الحج لكسب الأجر. أخيراً كثير من المواطنين والمقيمين يحجون تقريباً كل عام، وفيهم كثير من طلبة العلم، وسمعت الشيخ عبدالله المطلق يجيب سائلاً أن تصدقه ليحج غيره من الفقراء أفضل من حجه بنفسه، خصوصاً أنه حج مرات كثيرة، وأشدد على طلبة العلم بأن يكونوا قدوة في هذا المجال. [email protected]