نجاح المملكة العربية السعودية في الحصول على مقعد المجلس التنفيذي لجهاز الأممالمتحدة المعني بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة، يعطي دليلاً قاطعاً لما تقوم به الدولة من اهتمام لقضايا المرأة في الداخل وعزمها إخراج المرأة من العزلة التي أوجدت فيها لسنوات طويلة. لقد قامت وزارة الداخلية منذ فترة قصيرة بتوظيف عدد من النساء السعوديات على وظائف عسكرية في قطاع الجوازات، ومثل هذه القرارات تعطي مؤشراً حقيقياً على إيمان الجهات الرسمية بأن عمل المرأة عنصر مهم وإيجابي للمرأة السعودية و للمجتمع ككل، فالأرقام تعطي صورة عن معدل البطالة المرتفع بين النساء أكثر منه مع الرجال في مجتمعنا، على رغم أن وجود بطالة في دولتنا قضية خطرة على الجميع وانعكاساتها الأخلاقية و الفكرية التي قد تكلفنا الكثير، سواء على المستوى المادي أو المعنوي. تطور أخير في هذا المجال وهو قبول بعض المتطوعات السعوديات في عمل الكشافة في موسم الحج لهذا العام بعد حرمانهن من مثل هذه الأعمال من نحو 60 عاماً من بدء الكشافة في المملكة، إن وزارة التربية والتعليم ممثلة في وزيرها الأمير فيصل بن عبدالله، الذي ظهر بصورة مع المتطوعات، والذي رحب وأثنى وشجع على مشاركة المرأة في مثل هذه المناسبات الدينية، إن هذه الوزارة مطالبة بالكثير من الجهد في سبيل الدفع بالمرأة للخروج والمشاركة في مسيرة التنمية. ملف المرأة في مجتمعنا يحظى بالاهتمام من الجانب الرسمي، وقد أصبح هذه الأعوام من الملفات التي تمر بالتغيير الإيجابي على الجانب الرسمي ومن أعلى سلطة في الدولة، ممثلة في تعيين بعض النساء المؤهلات في مناصب قيادية في بعض القطاعات الحكومية، وصلت فيها إلى منصب نائبة وزير في وزارة التربية والتعليم، إضافة إلى إشراك المرأة في جلسات الحوار الوطني في دورات متعددة، وفي هذه الجزئية استغرب عدم إقدام الجامعات السعودية بالدفع للمرأة المؤهلة بتبوء مناصب في هذه الصروح العلمية، إذ من المعروف أن الجامعات في أي مجتمع تكون منارة التغيير وتسبق المجتمع في الرؤى و الأفكار، إلا أننا نجد التردد والضعف في دور المرأة في الجامعات السعودية، وأنا لا أقصد عملها الأكاديمي، وهذا شيء مفروغ منه، بل إعطاء المرأة مناصب قيادية في الجامعات، فأنا لم أسمع عن وصول امرأة لمنصب نائب مدير لجامعة سعودية. في برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي أعطيت المرأة الفرصة للاستفادة من هذا البرنامج، وسقطت دعوى أن المرأة لا يمكن أن تخرج وأن تدرس في دول وثقافات مختلفة، إن القرار الرسمي في هذا السياق أعطى المرأة والمجتمع بعض حقوقها التي سوف يكون لها انعكاسات إيجابية على المدى المتوسط. أما على المستوى الشعبي فإن قضية المرأة وعملها وتمكينها من حقوقها التي نص عليها الإسلام، وكذلك بعض المواثيق الدولية، والموقع عليها من المملكة، فإنها تحظى الآن بالاهتمام الوطني ومن جميع شرائح المجتمع، ولم تعد قضية نخب فكرية وسياسية، كما كان الوضع عليه في السابق، وأعتقد أن الاهتمام المجتمعي بقضايا وحقوق المرأة هو أهم عامل في تمكين المرأة، فسابقاً كانت التيارات وبجميع أشكالها الدينية واليسارية تهتم بمثل هذه القضية على أساس مكاسب سياسية، أما على مستوى الواقع فإن المرأة نفسها كانت مغيبة، ناهيك عن المجتمع ككل. وصول قضايا المرأة إلى هذه الدرجة من الاهتمام في جميع المنابر من صحافة ومواقع الكترونية ومنابر المساجد، يدل على أن المجتمع يعاني من إهمال حلها لفترات طويلة، وكما أشرت سابقاً فإن الجانب الرسمي يدفع بمعالجة وضع المرأة متقدماً عن المجتمع في بعض القضايا، إلا أننا ومع غياب شبه تام لمؤسسات المجتمع المدني المستقلة والفاعلة يكون القرار الرسمي هو الفيصل في هذه القضية، فمثلاً قضية قيادة المرأة للسيارة أشبعت نقاشاً وبحثاً وكتب عنها الآلاف المقالات والدراسات التي أزعم أن المجتمع وبجميع أطيافه وصل إلى قناعة إعطاء المرأة هذا الحق، ولكن يظل القرار الرسمي هو ما ننتظره من صاحب القرار الذي نتمنى ألا يطول، للحاجة الماسة لمثل هذا القرار، وكذلك لما يسبب للمملكة من حرج في بعض المحافل والمؤتمرات الدولية، إذ إن مثل هذه القضية تثار وتربط بقضايا حقوق الإنسان، وإذا استمر الوضع كما هو فإن الجهود المبذولة لتحسين الصورة النمطية عن مجتمعنا لن تحقق النجاحات المطلوبة. إن قضايا المرأة في هذه المرحلة تستحوذ على اهتمام الصحافة و الإعلام بجميع أشكاله، وهذه ظاهرة إيجابية، فالإعلام مهما كان هو انعكاس لمجتمعه، وإذا كان المجتمع وصل إلى قناعة أن هذا الملف مهم ويجب معالجته فهذا بداية الحل، فالسكوت عن المشكلة لن يحلها، ولكن حتى لو كان فيه اختلافات في الرؤى حول حقوق المرأة فإن المجتمع وبقيادة نخبه الصادقة سوف يصل به إلى الحل الطبيعي، كما في المجتمعات الإسلامية والعربية المجاورة. [email protected]