بعد بضعة أشهر من إطلاقه من معتقل «غوانتانامو»، ما لبث «عبدالرحمن» أن عاد لمرافقة قادة الجماعات الإرهابية بمحاذاة الحدود الباكستانية – الأفغانية. بيد أنه كان عميلاً مزدوجاً يزوّد الاستخبارات الباكستانية بأسرار حركة «طالبان» وتنظيم «القاعدة»، وكانت الاستخبارات الباكستانية تقوم بدورها باقتسام المعلومات مع أجهزة الاستخبارات الغربية. وهو نجاح حققته بتميز السعودية التي اخترقت تنظيم «القاعدة في جزيرة العرب» في اليمن، ما أتاح إحباط عمليات إرهابية عدة، وأدى إلى تثمين الحلفاء الغربيين دور الرياض في مكافحة الإرهاب داخلياً وعالمياً من خلال الضربات الاستباقية، واختراق الجماعات الإرهابية، ومعالجة حالات التطرف الديني والغلو لدى الأفراد. وقال الضابط المتقاعد في الاستخبارات العسكرية الباكستانية محمود شاه إن ذلك المكر كلَّف عبدالرحمن حياته، إذ بدأت «طالبان» تشك في ولائه، وبعد سلسلة تحقيقات مطولة أعدمته. وتعد قضية عبدالرحمن التي سردها شاه ل «أسوشيتدبرس» أحد الجوانب المهمة في الحرب على الإرهاب، إذ إن وكالات الاستخبارات الغربية تقوم – بمساعدة حلفاء إسلاميين – بزرع عملاء ومخبرين داخل «القاعدة» وحركة «طالبان». ويبدو أن هذا البرنامج يؤتي أكله، على رغم أن كثيراً من العملاء – مثل عبدالرحمن – يُكتشفون ويُقتلون. فقد أدت معلومة قام بتسريبها متشدد سابق في «القاعدة» تحوّل مخبراً إلى عثور السلطات في دول عدة على متفجرات مخبأة في عبوات حبر مرسلة من اليمن إلى الولاياتالمتحدة قبل نحو أسبوع، بحسب تصريحات مسؤولين أمنيين يمنيين. ويقول مسؤولون إن تلك المتفجرات كانت كافية للتسبب في تفجير قاتل مثل القنبلة التي فجرت طائرة ركاب أميركية فوق بلدة لوكربي، وأسفرت عن مقتل 270 شخصاً. وقامت وكالات الاستخبارات، مثل «أم آي 6» البريطانية و»سي. آي. أيه» الأميركية باستئجار عملاء كثر من خلفيات متباينة منذ وقوع هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 وما تلاها من هجمات. ويقول كثيرون إن ذلك التكتيك أتى أكله، إذ تسنى إحباط مخططات عدة، بما فيها مخطط لتفجير طائرة ركاب أميركية في عام 2006 بفضل استخدام الاستخبارات الغربية للمعلومات في اقتفاء أثر الإرهابيين المنفذين. وقال مسؤولو استخبارات أميركيون وأوروبيون وباكستانيون خلال السنوات الماضية إن الغارات التي دأبت طائرات ال «سي. آي. ايه» التي تطير بلا طيار على شنها على مناطق الحدود الباكستانية – الأفغانية أضعفت تنظيم «القاعدة»، فضلاً عن نجاح سياسة الحكومات المتمثلة في غرس عملاء في صفوف خلايا الإرهاب. وأدى ذلك إما إلى قتل كبار قادة التنظيم، أو إضعاف الثقة بين المتشددين الذين بدأوا يحاربون بعضهم بعضاً. وفي كلمة علنية غير مسبوقة، كشف رئيس الاستخبارات البريطاني جون سورز للمرة الأولى قبل أسابيع، أن وكالة الاستخبارات البريطانية نجحت في اختراق منظمات إرهابية، من دون أن يشرح تفاصيل ذلك. وقال الجهادي السابق نعمان بن عثمان الذي كان على صلة بالقاعدة في أفغانستان وباكستان والسودان، وهو يعمل حالياً محللاً في شؤون الأمن والإرهاب في لندن: «إن الطبقات الأمنة للقاعدة تآكلت ببطء، وأضحى اختراق تلك الجماعات أكثر سهولة الآن». وأضاف أن السعودية هي الأكثر نجاحاً في اختراق شبكة «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، من خلال عملاء كان بعضهم معتقلين سابقين في سجن غوانتانامو.