كانت لي معلمة غير تقليدية في المرحلة الابتدائية، كان العرف وقتها يقتضي بترسيم إحدى الطالبات كعريفة على الصف، هذه الطالبة هي في العادة شخصية منضبطة وحازمة ومقبولة دراسياً، مهمتها مقصورة على التبليغ بصورة رسمية للمدرسة عن المخالفات لما تعارف عليه، غياب أو تأخير أو صدامات أو تشويه لممتلكات المدرسة وما إلى ذلك، في مقابل انغماس «العريفة» في المراقبة فإنها تحظى بأفضلية في نقطتين، تملك سلطة تهديد وترهيب تجعل طلب رضاها غاية سامية لدى بقية الصف، ولا يراقبها شخصياً أي أحد في المقابل ولا يبلغ عن مخالفاتها الخاصة، معلمتنا غير التقليدية كسرت هذه القاعدة المثالية، قامت بتدوير منصب العريفة للمرة الأولى على جميع الطالبات، وبالتالي أتيحت الفرصة لأنماط الطالبات كافة بالتسلط والشعور بالأهمية، كانت النتائج عجيبة، اختفت السلطة المطلقة المسبغة على منصب العريفة، لأننا جميعنا صرنا أقدر على المحاسبة وأدرى بخفايا التبليغ والقوانين، كما أصبحت أقل أهمية، فهناك حرص الآن على عدم المبالغة في التهديد بما أن كل عريفة ستصبح مراقبة في الدورة المقبلة، انضبط الصف وقتها حتى عندما تخلّت العريفات عن الرقابة الحثيثة... الشاهد هنا أن العناصر الضعيفة للقيادة التي لا تمثل أي مثل أعلى لغيرها قد تنضبط إن وضعت في مقام القيادة بشكل يسهم في تدريبها ومشاركتها للعناصر الأقوى في المهمات والرؤى. حالياً هناك جدل أكثر من مثير يدور في أروقة الأممالمتحدة حول أحدث إدارة تنضم للأمم المتحدة، وهي إدارة الأممالمتحدة للنساء، يعود إنشاء هذه الإدارة إلى سنوات من العمل المدني مع جمعيات مدنية ومنظمات خاصة بالمرأة أدت إلى إرساء القرار رقم 1325، وينص على التنبيه على الآثار الجسيمة التي تلحق بالنساء والفتيات في الصراعات المسلحة وأيضاً استبعادهن من أي تسويات لاحقة وقرارات خاصة بالسلام، المأمول من هذه الإدارة الجديدة أن تصبح جسداً مشرفاً على آليات مراقبة أوضاع النساء وتمكينهن في الدول الأعضاء في الأممالمتحدة ورصد العوائق والمخالفات التي تمنع هذا التمكين... منذ العام 2000 قامت الكثير من الدول الأعضاء بخطوات جادة لتنفيذ القرار 1325 كإشراك النساء في قرارات التنمية وإدراجهن في الخطط الوطنية وصناعة القرار والعمل مع الجمعيات المدنية المحلية لدعم النساء والفتيات وتمكينهن ورفع تقارير الأداء للأمم المتحدة، ومن أفضل الأمثلة تكوين مجموعة من 25 دولة بقيادة كندا التي أنشأت مجموعة «أصدقاء المرأة والسلام والأمن» لدعم الجهود المشتركة والعمل على تنفيذ هذا القرار على أرض الواقع... وخرجت الدول الأعضاء من سياسات العمل المشترك باستراتيجية مهمة لتصنيف النشاطات كافة المتعلقة بتمكين المرأة تحت واحد من المحاور الخمسة الآتية: الوقاية، المشاركة، الحماية، الإغاثة والإنعاش، وتقويم النشاطات. سبب الجدل المثار حالياً هو أن إيران والسعودية تتنافسان على مقاعد في مجلس هذه الإدارة الجديدة، وبالنظر إلى السجل غير المقبول لكل من الدولتين في دعم وتمكين النساء والتمييز ضدهن، فهناك تخوف دولي كبير من انضمام أي منهما إليها، ما يعنيني هنا هو انضمام السعودية لهذه الإدارة، من المنطقي أن يكون هناك تخوف أو عدم تحمس لنتائج انضمام السعودية لإدارة المرأة، وهو ما ينطبق على انضمامنا سابقاً لمعاهدات إلغاء أشكال التمييز كافة ضد المرأة بلا أي تقدم يذكر في أوضاع النساء هنا منذ أعوام عدة، أو انضمامنا وتوقيعنا على اتفاقات حقوق الإنسان التسعة سابقاً ومع ذلك لم يحدث أي تطور حقيقي في التزامنا محلياً بها، المتشائمون يصرون على أن الشق أكبر من الرقعة، وأن قوانيننا المحلية غير مهيأة بعد لاستيعاب المطالبات العالمية بتمكين النساء، يضربون أمثلة بزواج الصغيرات المخالفة لاتفاق حقوق الطفل والمرأة ومنع النساء من الكسب والعمل، على رغم حاجتهن الواضحة في مهن مقنّنة كالكاشيرات حديثاً ومأسسة قوانين التمييز ضد المرأة كقانون الولي والفصل العنصري في أجهزة الدولة كعوائق حقيقية لتمكين النساء هنا. في الحقيقة أتفهم كل ذلك، لكني وبعد فشل وإحباط المحاولات الأخرى كافة هنا للتوعية بحقوق النساء وحاجاتهن أرى أن انضمام السعودية لمقعد الإدارة الجديدة يمكن أن يكون تحت خانة ما لا يضر وقد ينفع، ويمكن أن يقدّم سيناريو شبيهاً بتدوير منصب «العريفة» سابقاً في مدرستي، السيناريو المتوقع من انضمامنا هو أن يعمل وفد سعودي عالي المستوى مع وفود رائدة من الدول الأعضاء على صياغة استراتيجيات تمكين النساء ورصدها، وحتى مع افتراضي المسبق بأن الوفد المعين قد لا يكون أكثر من موظفين أو موظفات حكوميين لا يخرجون عن الدور المرسوم والمتوقع لهم أو لهن، إلا أنني أؤمن بأن احتكاكهم بوفود الدول الأكثر تقدماً سيجبرهم على إعادة النظر في السياسات المحلية وربما نقل التجارب الرائدة إلينا، وضعهم في موقع القيادة سيؤدي أيضاً إلى زيادة مساءلتهم ورقابتهم الذاتية على آليات تمكين النساء هنا، سيصبحون تحت أعين الفحص والإعلام، وستبرز كل التصريحات للعلن، وسترهقهم مطالبات الناشطين وأسئلتهم عن تناقض الواقع مع التصريح، وفي محاولة لتلميع الصورة العامة وكسب التأييد سيضطرون إلى وضع آليات ولو أقل من المأمول لتمكين النساء، وستصبح تلك الآليات وسيلة مهمة لمقاومة تهميش النساء هنا، وذريعة يتخذها الناشطون هنا للتسريع في نيل الحقوق، في كل الأحوال ستستمر عجلة التغيير التي بدأت هنا ولن تتوقف، وستثبت سياسة تدوير المناصب وإشراك الأعضاء الأضعف مرة أخرى جدواها في إحداث الأثر المطلوب، لذلك كله أؤيد الخطوة غير التقليدية في أن تصبح السعودية «عريفة» استثنائية أملاً في تحريك العجلة العالقة هنا، ولو جلب لنا ذلك الترشيح سخط الدول الأكثر جدارة بالمنصب. * كاتبة سعودية - الولاياتالمتحدة. [email protected]