نتعاطف دوماً بالكلام، وهو لا يقدم ولا يؤخر كثيراً إن لم يصاحبه فعل موازٍ، هذه المرة أقف رافعاً القبعة باحترام وخجل لكل حراس الأمن الذين صمدوا، على رغم كل الظروف والتحديات، أمام مجتمع يتعامل معهم بحال متوسطة بين الاحترام واللامبالاة، احترامي لصبرهم وتغاضيهم عن أي عبارات إحباط ومشاعر صادمة أحياناً، احترامي لشجاعتهم على تحمل الأدوار الكبيرة، وتجاوز العقبات والإصرار على أن تكون لقمة العيش من عرق الجبين، وهذا وربي كافٍ ومشرفٍ. خجلي لأن دعمنا لهم لم يتجاوز طرح مشكلاتهم على الورق وسؤالهم الشفهي عن معاناتهم وحاجاتهم، لكن اعبروا معي على المثال المقبل لمواطن سعودي بوظيفة حارس أمن وهو مثال مكرر باختلاف الوجوه وقدرات التحمل واحكموا بعد ذلك. هذا المواطن راتبه لا يتجاوز 1700 ريال، يسمع بالحوافز ولا يراها، يتوقع في أي لحظة أن يُفصل، لأن قرارات التوظيف والفصل تعود لاستقرار الحال المزاجية لصاحب القرار، عمل متواصل وجهد مضاعف وسلسلة من «التطفيشات»، إن صح التعبير وانعدام للتقدير، قرارات تتخذ بحقه يوماً بعد يوم، تمتص دخله بطريقة توحي بأن الإنسانية مفقودة إن لم تكن معدومة. أكتب عن حراس الأمن بالنيابة، ومتحدثاً على لسانهم، وأنا الذي أهوى الحديث معهم واستماع شكواهم، أعشق روحهم الجميلة وابتساماتهم التي تخفي جروحاً لم تندمل بالداخل، حبهم للعمل، على رغم روتينه القاتل وعضلات الرؤساء التي لا تفتل إلا عليهم، كنت يوماً مضى مثلهم وقرأت حينها نظرات الوجوه التي تلتقي بي، ولم أشاهد زمنها نظرة واحدة تمنحني دفعة للأمام، أو تشكرني على جهد مبذول، أو حتى تنتزع ابتسامة محبوسة تنتظر لفتة تستحق لتطل بعدها. تنوعت جراحهم وأصواتهم وقصصهم وبيئات عملهم وطقوس رؤسائهم الغريبة، إنما توحدت مطالباتهم وحاجاتهم ورغباتهم، معنوياتهم تحت خط الصفر، وإن كانت مظاهرهم ووجوههم توحي بعكس ذلك، هم يريدون أجراً معقولاً يضع احتراماً للوظيفة قبل شاغرها، أجراً يؤمن حياة معيشية طيبة آمنة لا حياة قاسية ذليلة منكسرة، ينتظرون حوافز ترفع ما تبقى من حماسة لديهم، وبدلات تواجه الأدوار الكبيرة الملقاة على ظهورهم بصمت، والمحاسب عليها بالثانية والدقيقة والعقاب والحسم والفصل، ما يتقاضونه لا يكفي لحياة فرد واحد، واحكموا على مستوانا المعيشي المتصاعد، فماذا نقول وبما نجيب على حارس أمن يعول خلفه أسرة، فيغيب عنها نصف اليوم، ويظل النصف المتبقي حائراً في أي الأبواب يطرق! مخنوقاً عاجزاً عن نطق نصف كلمة! لنراجع أنفسنا كيف نتعامل مع هذه الفئة الطيبة الشجاعة، ونرى كم نحن نبيع الكلام؟ وندعي المثالية؟ ونتجاهل من أن الحياة بتقلباتها قد تضع واحد نحبه ويمثلنا مباشرة في مصاعب هذه الوظيفة، وحينها نأخذ القهر من شفته! ونعرف أي ظلم يقع على حراس الأمن من دون أن نكلف أنفسنا بالدفاع عنهم والسؤال عنهم. أضع كل سطر من الأسطر الماضية على طاولة كل مسؤول - في قلبه رحمة - وبيده حل، ليلتفت لهذه الوظيفة بحافز أو بدل أو علاوة أو تأمين صحي أو راتب ثابت معقول، ليلتفت لهم بأي شيء حتى لو قبلة على جبينهم، يحتضنهم ويشجعهم، يشكرهم ويزرع الابتسامة على شفاههم، هذا أقل ما يمكن أن يقدمه لهم، إحساسهم بقيمة الحياة مهمتنا المقبلة، وهو الأمر الذي نقدر عليه جميعاً من دون أن نكلف أنفسنا شيئاً! [email protected]