مع ارتفاع أسعار أونصة الذهب إلى مستوى قياسي فوق 1360 دولاراً، حمدت الله سبحانه وتعالى على خلاص مجتمعنا من عادات القربان الذهبي المقدم من الرجال للنساء، ولو استمر لحفيت أقدام شبابنا متوسطي ومحدودي الدخل، وتحطمت آمالهم في السكون لزوجات، على رغم ازدياد وتنامي نسب «العنوسة»! القربان الذهبي متوسط القدم، «رشرش» متبختر على الصدور، تطور إلى «مرتهش» يتدلى حتى المنتصف يمكنك رؤيته من على بعد أمتار، وفي ظل أسعار الذهب التصاعدية، لو استمرت الشهوة الذهبية، فلن يكون الاقتران سهلاً إلا بالنية أو الأحلام الوردية! المنافسة والغيرة بين النساء، وأقول بعض وليس كل، على رغم أن بعض تُشكّل نسبة قد تكون مؤثرة وتخضع لعادات وثقافات وغرائز، وهذه المنافسة مشابهة للمطاردة بين أسعار الذهب والدولار، فقبل نحو 40 عاماً انطلقت احتفالية عدوى التفاخر بالأطقم الذهبية بين النساء، واستقرت زمناً كامناً بين الرشرش والمرتهش، ثم انتقل التغيير الموضوي إلى أطقم ألماس الإعجاز السعري، واستمرت أجواء الهدوء والسكينة بين النساء حتى انفجرت ثورة صناعة التقليد الصينية، التي تنفس معها الشباب الغلابة الصعداء بعد أن اختلط حابل الصناعة بنابلها، وضاعت الجودة بعد انتشار ظاهرة التقليد العالمية، ومنها إلى عالم الإكسسوارات، خفّت حدة عقدة التفاخر بالأسعار بين النساء، وأصبح جل الحديث بعد حفلات العرس عن الأصلي والتقليد، فإذا كان الزوج من الطبقة المخملية، أو ابن رجل أعمال، أو شاب ثري بالوراثة فالمسألة محسومة للأصلي، أما إذا كان العريس من عائلة متوسطة أو من مسحوقي الدخل، كالموظف على المرتبة السابعة مثلاً، فإن ثورة الشك النسوية ستصيب هديته، وستمضي عروسه المسكينة وقتاً ليس بالقصير في إقناع المشككات المفتنات، الباحثات عن إثارة المشكلات، بأن طقمها الذي كان يلمع وقت الزفاف «دقته» أصلية ضارب في أعماق جذور الأصالة! ولأن الكيد بالرجال عظيم، لم تعد المفاخرة بالذهب والألماس ذات جدوى في خضم نهضة التقليد الصناعية التي تفجرت إبتداءً من أرض قوم يأجوج ومأجوج، وتم البحث عن وسائل أكثر تعجيزاً، فظهر الزهو بسيارات ليلة الزفاف، وهزمتها سريعاً إيجارات بأفخم الموديلات لأيام معدودات، فتم اللجوء إلى صالات الأفراح، التي لم تعد مجديةً للتفاخر أمام تعددها وتدرج أسعارها، فكان لابد من ظهور صالات مخملية لا يطولها إلا من كان جيبه عامراً ب«المصاري»! ولأن السباق على البذخ على أشده، قفزت الأحلام إلى صالات الفنادق، والليلتين بدل الليلة الواحدة، وفخامة مآدب العشاء المُؤخر إلى الساعة الثالثة فجراً، ثم المطربين والمطربات والأغاني المكتوبة باسم العريس والعروسة الملحنة خصيصاً للمناسبة! الأفكار الإبداعية وبراءات اختراع سلبا جيوب الشباب المساكين لم ولن يتوقفا، وفى تطور مستمر وأسرع وأدق في التنفيذ من مشاريعنا التنموية، ولا تقارن بمستشفى حائل للولادة الذي بقي تحت الإنشاء 20 عاماً! كما أن «المرغوب في إبداع سلب الجيوب»، ليس بحاجة للحصول على ترخيص أو خاضعاً لرقابة من جمعيات حقوقية، الأبطال نساء راعيات، حاميات يحملن شعار «ويلك يا اللي تعادينا يا ويلك ويل». يواجه شبابنا ضغطاً وانتفاءً للأعذار أمام المنتجات البنكية المحلية المواكبة لأي تطور قرضوي، فهي تبحث عن المقبلين على الزواج، الذين انضموا للباحثين عن المسكن والأثاث والسفر والسيارة حتى من يريد إدخال أولاده لمدارس خاصة فالبنوك جاهزة، افتح حساب وتفويض بالسلطة على الراتب وابشر بالتسهيلات، وسيُصبح شبابنا بعد أقل من عشر سنوات مرهونين للبنوك في مأكلهم ومشربهم ومسكنهم، وربما تصل الأمور إلى الصداق المؤخر! ولنسأل أنفسنا مجرد سؤال لا أكثر، هل طلبات ورغبات بعض النساء هي سبب هذا العناء؟ هل عدم قناعتهن بالميسور وعدم استعدادهن للتضحية أجبر الشباب على تسليم الرقاب للبنوك؟ أترك الإجابة لمن يملك الشجاعة. أما أنا فأجيب بحكاية قصيرة مفادها، هناك شاب موظف بإحدى شركات الاتصالات في المملكة، خطب و«تملك» بابنة الحلال ثم استأجر وأثث المنزل، واستأجر صالة العرس، نفدت «تحويشة» العمر فاقترض من أحد البنوك بطريقة مجازة شرعاً، حفيت قدماه وهو يُعد العدة لليوم السعيد، وعند بحث موضوع قائمة المدعوين واختيار شكل بطاقة الدعوة، تبسم العريس وهو خجل، وقال بهدوء وحنّية زمن البطاقة ولىّ في وجود التقنية: أنا موظف شركة اتصالات وعارف، أعطوني قائمة المدعوين وسأرسل لهم الدعوة عبر رسالة sms، ضحك عليه أهل العروس بقهقهة عالية حتى إرتبك المسكين و«تنافض» وخشي من طرده، مَسّكوه البطاقة الفاخرة التي اختارتها العروس باستشارة والدتها قوية الشخصية، وأمروه بطباعة 1000 بطاقة، لهم النصف وعائلته النصف، نَفّذ التعليمات ودفع 50 ألف ريال قيمة طباعة البطاقات المخملية المعطرة بدهن العود، أقيمت حفلة الزفاف المرهون بنكياً ورُميت بطاقات الدعوة في سلة المهملات، عاد العريس المنهك من شهر العسل محملاً بفواتير بطاقة الإئتمان، واحتاج لمساعدة زميله المحاسب لإعادة جدولة ديونه المتراكمة، والمشكلة التي يواجهها أنه أظهر صورة بذخية ليلة عرسه ومن الصعوبة التراجع وكشف المستور المالي! * كاتب سعودي. [email protected]