لم يخرج المؤتمر المتوسطي عن المتغيّرات المناخية سوى بحصيلة ضئيلة. وبالكاد استطاع وزراء خارجية دول المتوسط الاتفاق على وجوب التعاون بين دولهم لمواجهة تحديات التغيرات المناخية، معربين عن قناعتهم بعدم جدوى السياسات الفردية. وفي هذا الصدد، وقّع وزراء اليونان وتركيا ومالطا وليبيا وفلسطين وإسرائيل وفرنسا ومصر وسورية وإيطاليا وقبرص، على إتفاقية تتضمن مبادرات لمواجهة هذا التحدي. وفي سياق المؤتمر، أُلقيت أكثر من كلمة أكّدت أن التغيّرات المناخية بدأت التأثير على السياحة في دول البحر الأبيض المتوسط، إذ تساهم درجات الحرارة المرتفعة في خلق إضطراب في أحوال الطقس وتقلّب في تعاقب الفصول، ما يدفع السيّاح الى تفضيل مناطق طقسها ألطف وفصولها أكثر استقراراً. استعداداً ل»كوب 16» وضعت وزيرة البيئة اليونانية تينا بيربيلي أمام الوزراء المتوسطيين أربعة أهداف هي: الاهتمام أكثر بالمحادثات الدولية حول التغيّر في المناخ (مثل مؤتمر «كوب 16» في كانكون في نهاية العام الجاري)، الاستعداد للتعاون لمواجهة التحديات الناجمة عن متغيرات المناخ مستقبلاً، البحث عن أسباب المشكلة لمحاصرة تأثيراتها ورفع الوعي بأهمية الاقتصاد الأخضر عند الحديث عن التغيرات المناخية. وشدّدت بيربيلي أيضاً على أن المهم في هذا المؤتمر يتمثّل في أن تبادر الدول المتوسطية جميعها، بغض النظر عن مستواها إقتصادياً، لمواجهة مشكلات المناخ وملافاة تأثيراتها. وعرض وزراء الدول المتوسطية المشكلات التي تواجهها بلادهم جراء التغيّر في المناخ. وناقشوا الإجراءات التي قامت بها تلك الدول من أجل مواجهة تلك المشاكل. ولعل تجربة قبرص كانت من أبرز ما ناقشه المؤتمر، خصوصاً لجهة النتائج التي استطاعت هذه الجزيرة تحقيقها. وبيّنت قبرص أنها عملت على وضع خطة تتضمن رداً سريعاً على الكوارث المرتبطة بتغيير المناخ، موضحة أن قلة الأمطار خلال الفترة الأخيرة، دفعتها لاستيراد مياه الشرب من اليونان عبر الحاويات البحرية. وفي كلمته أمام المؤتمر، أوضح وزير الزراعة القبرصي ديميتريس إلياذيس أن متغيّرات المناخ أصبحت واقعاً معاشاً لا مجرد تحديات نظرية، موضحاً أن هذه الجزيرة تعيش تلك المعاناة يومياً مع الارتفاع الملحوظ لدرجة الحرارة وتصحّر الأرض وقلّة الأمطار وخسارة المساحات الحرجية بسبب الحرائق التي باتت تندلع بمعدل حريقين أو ثلاثة كل أسبوع، إضافة إلى الظروف المناخية المتقلبة بشكل كبير. وأكّد إلياذيس وجود خطة وطنية في قبرص لمواجهة هذه التحديات، تتضمن توعية المواطنين القبارصة بطبيعتها وطرق مواجهتها، إذ أنشأت الحكومة عدداً كبيراً من السدود المائية، كما تخطط لإنشاء المزيد منها. وشيّدت الحكومة أيضاً محطات تحلية لمياه البحر، وشجّعت على استخدام المياه المُكرّرة في الحياة اليومية بشكل واسع، وكوّنت فرق إطفاء عديدة من المتطوعين الشباب، أثبتت فعاليتها في إنقاذ عدد من الغابات وتقليص المساحات المحترقة سنوياً بشكل كبير، فوصلت إلى كليومتر هذا العام. وكما بات دارجاً في هذا النوع من اللقاءات الدولية، برزت في المؤتمر دعوات دول الجنوب دول الشمال الى تحمّل الجزء الأساسي من المسؤولية في مواجهة التغيرات المناخية، يتلاءم مع قدراتها المادية والتقنية من جهة، ومع مساهمتها تاريخياً وحاضراً في التسبّب بنشوء أزمة المناخ وإضطراباته، عبر مصانعها واقتصاداتها التي أنهكت البيئة ومصادرها، ولوّثت مياهها وغلافها الجوي. جاءت هذه الدعوات بصورة واضحة في كلمة مطوّلة لوزيرة البيئة في سورية كوكب الصباح داية، التي أكدت أن الدول الفقيرة لا تستطيع مواجهة التغيرات المناخية بمفردها، في ما تتعرض لتأثيراتها بشكل كبير جداً، داعية الدول الغنية إلى تحمّل مسؤولياتها في هذا المجال. وذكرت الوزيرة السورية أن لبنان وسورية تعاونا أخيراً في تخليص مناطق ساحلية لبنانية من آثار العمليات العسكرية لحرب 2006 الإسرائيلية على لبنان. في سياق مشابه، شدّد وزير البيئة المصري ماجد جورج على أن الدول المتوسطية يجب أن تكون سبّاقة في القيام بواجباتها لمواجهة التغيرات المناخية، داعياً الدول الغنية إلى تنفيذ المزيد من البرامج في هذا الشأن. وشدّد أمين عام وزارة البيئة الروماني مارين أندون على ظهور النتائج السلبية للتغير في البيئة، حيث ساهمت النشاطات الإنسانية في 90 في المئة من هذه المشكلة. وأشار إلى أن القارة الأوروبية تضرّرت بشكل كبير من الإضطراب في المناخ. وأوضح أندون أن سياسة بلاده بيئياً تتلخص في التواؤم مع الأجندة البيئة للاتحاد الأوروبي، خصوصاً لجهة تقليص إنبعاث الغازات المرتبطة بالإحتباس الحراري، مثل ثاني أوكسيد الكربون. و أوضح وزير البيئة الإيطالي روبيرتو مينيا، أن محاولات حكومته تركز على مسألتي ترشيد استخدام المياه، والطاقة النظيفة. وكذلك أشار وزير البيئة الكرواتي نيكولا ريزينسكي إلى إلتزام بلاده تنفيذ برنامج يتعلق بتطبيق اتفاقية «كيوتو»، إضافة الى إتّباعه استراتجية تراعي البيئة في مجال الطاقة. وأوضح أن كرواتيا تركز على استعمال مصادر الطاقة المتجددة، وحماية التنوّع البيئي، وتفعيل الشراكة بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني في نشاطات البيئة. في سياق المؤتمر اليوناني، بدا فاتمير ميديو، وزير البيئة الألباني من أكثر المشاركين تشدّداً في مسألة نقل المعلومات والخبرات التقنية، بما يساعد على تحقيق أهداف مواجهة التغيّر في المناخ. وذكر ميديو أن بلاده اتفقت مع الأممالمتحدة على إنشاء مصانع هيدروكهربائية لإنتاج 2000 ميغاوات من الكهرباء باستخدام طاقة المياه. وتحدّث أيضاً عن خطط للتوسّع في استغلال طاقة الشمس. وذكر أن هناك دعماً أوروبياً لبلاده في مجال الاهتمام بالسياحة وتنمية المناطق الساحلية. وشدّد الوزير على التعاون بين ألبانيا واليونان لا سيما في إنشاء مشاريع على البحيرات التي تربط البلدين، وهي مشروعات قليلة التكلفة، بحسب قوله. وطالب وزير البيئة المقدوني نشاتي جاكوبي بتخفيف الضرائب عن المشاريع الصديقة للبيئة، مشدّداً على أهمية المبادرات الجماعية في هذا المجال. وركّز وزير البيئة التركي فيسيل إيروغلو على أن المشكلات البيئية لا يمكن مواجهتها بشكل فردي، مشدداً على أهمية الطاقة البديلة والتشجير وإعادة تشجير المناطق المحترقة. وذكر إيروغلو أن بلده وسّع مساحة الغابات بأكثر من مليون هكتار خلال السنوات الثلاثين الماضية، مشيراً إلى وجود خطة للتشجير المُكثّف تدوم حتى عام 2012. ودعا الوزير التركي إلى مساعدة المجتمعات التي لا تستطيع لسبب من الأسباب، الاعتماد على الطاقات المتجددة والبديلة. وذكر باحسين حمادي وزير البيئة الموريتاني أن موريتانيا زرعت 450 ألف شجرة خلال السنة الماضية، وتخطط لزراعة مليون شجرة خلال السنة المقبلة، مشيداً بمساعدة منظمة الفاو لبلده في مكافحة التصحر، ومركزاً على أهمية استغلال بلاده للكمية الكبيرة من الطاقة الشمسية التي تتمتع بها. و مثّل إسرائيل في المؤتمر بنيامين بيغين، الذي ذكر أن إسرائيل تساهم بنسبة قليلة من انبعاث ثاني أوكسيد الكربون، ولكنها تحاول تقليص هذه النسبة أكثر، مضيفاً أنه خلال خمس سنوات ستكون كمية المياه المكرّرة في إسرائيل كافية للاستعمال الشخصي، معتبراً أنه من الممكن مضاعفة كمية مياه الشرب خلال تلك الفترة. وذكر بيغين أن إسرائيل تكرّر 70 في المئة من مياه الصرف الصحي لديها، وأنها تسعى لإيصال هذه النسبة إلى 90 في المئة في 2015. كما تناول الوزير الإسرائيلي مشاريع تحلية مياه البحر وأهميتها، مطالباً الدول المتوسطية جميعها بالتعاون وتبادل المعلومات، بغض النظر عن جميع الخلافات بينها. وأوضح الأمين العام لوزارة الخارجية البلغارية ديميتري تزاتشيف أن بلاده تعهدت بتقليص انبعاث ثاني أوكسيد الكربون بنسبة 8 في المئة، وأنها تطبق برامج تنمية مصادر الطاقة المتجددة في أشكالها كافة، إضافة إلى إعادة التشجير، واستعمال الإضاءة بصورة اقتصادية لإنارة الأماكن العامة. وشدّد رئيس البنك الأوروبي للاستثمارات فيليب ميساد على ضرورة وجود خطة تفصيلية لتمويل الاستثمارات التي تحتاجها منطقة المتوسط، مبدياً استعداد الاتحاد الأوروبي لضخ مزيد من رؤوس الأموال لمواجهة التغيّر في المناخ. وذكر ميساد أن مؤسسته قدمت خلال السنوات الأخيرة مبلغ 3.7 بليون يورو منحة لمشاريع الطاقة النظيفة، و1.1 بليون يورو لمشاريع في مجال المياه، في ما وضعت نصب عينيها المزيد من الإسهام في المشاريع الصديقة للبيئة في المنطقة، بحيث تصل نسبة تأثيرات تلك المشاريع إلى 25 في المئة من نشاطها سنوياً.