كثيراً ما ينقلب المسؤول الكبير على حكومته أو نظام حكمه ويتبنى مواقف ناقدة، بعدما يترك موقعه الرسمي، أو قد ينضم إلى صفوف المعارضة السياسية، ويجده الناس يعارض النظام نفسه الذي كان قبل فترة "ترساً" في آلته. حدث ذلك في مصر ودول عربية أخرى، وحين تسأل صاحبنا عن مواقفه التي تبدلت وآرائه التي تغيرت وحنجرته التي زادت حدة فإنه عادة يُقسم ويؤكد أن شيئاً لم يتغير وأنه كان يتبنى مواقف لمصلحة الشعب، ولكن أحداً في الحكومة أو الحزب الحاكم أو النظام كله لم يستمع إليه، وكثيراً ما يدعي أنه ترك موقعه بعدما "غضبوا" عليه ويئسوا منه فاستبدلوه بآخر وجدوا فيه قدرات عالية على الاستجابة "لهم"، وحرص على عدم الخروج عن الخط الذي يسير عليه ركب السلطة. لكن مشهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر عندما شارك ومعه رئيسة إرلندا السابقة ماري روبنسون في تظاهرة للفلسطينيين في القدس احتجاجاً على الممارسات الإسرائيلية الجائرة ضد الشعب الفلسطيني سيبقى العلامة الأهم بين المسؤولين الكبار الذين كانوا يملكون القدرة على تغييرات استراتيجية في العالم بحكم مواقعهم ولكن لم يفعلوا ثم عادوا إلى الحق ولكن بعد فوات الأوان. صحيح أن كارتر أثناء فترة جلوسه خلف المكتب البيضاوي في البيت الأبيض تبنى العملية التي أفضت إلى معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل وبذل جهوداً كبيرة للتقريب بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك مناحيم بيغن وتدخل مرات عدة ونجح في تفادي سقوط المفاوضات، إلا أن كارتر الذي أشاد في التظاهرة بصمود الشعب الفلسطيني منتقداً الحصار الإسرائيلي، مشيراً إلى وجود مليون ونصف المليون فلسطيني يعيشون في سجن أو قفص في قطاع غزة، لم يطلق الآراء نفسها حين كان يملك الصلاحيات والسلطات التي تمكنه من أن يفك الحصار ويطلق السجناء. ومنذ أن غادر كارتر البيت الأبيض عام 1981 تفرغ للمشاركة في السياسة الدولية ومنح بعدها جائزة نوبل للسلام عام 2002 "لدأبه في التوصل لحلول في الصراعات الدولية"، مع العلم أن الصراع العربي – الإسرائيلي كان محتدماً أثناء فترة حكمه وعانى الفلسطينيون أهوالاً في الفترة نفسها. وبالمقارنة مع تفاؤل العرب خصوصاً والمسلمين عموماً تجاه انتخاب الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما وثقتهم في قدرته على تغيير العالم وإحقاق الحق ومساندة الفلسطينيين والوقوف الى جانب العدل، فإن العرب والمسلمين لم يكونوا متفائلين أبداً قبل الانتخابات الأميركية التي أتت بكارتر رئيساً للولايات المتحدة، ومع ذلك فإن الرجل بذل ما استطاع أن يبذله وحقق السلام من وجهة نظره وكان يأمل في أن تمتد عملية السلام لتشمل باقي الأطراف العربية لكن حدث ما حدث. نعم كان كارتر يستطيع لو أراد أن يوقف المجازر الإسرائيلية أو على الأقل أن يتخذ المواقف نفسها التي اتخذها بعد تجرده من قيود المنصب الرئاسي، لكن قواعد اللعبة في أميركا حالت دون ذلك، فقدرات الرئيس محدودة خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بإسرائيل. على الجانب الآخر فإن المصدومين بما يعتبرونه "سلبية" الرئيس أوباما كان عليهم أن يعوا الفارق بين ما يتمنى المرء أن يحققه وما يمكن أن يحققه بالفعل. صحيح أن اللهجة التي استخدمها أوباما أثناء حملته الانتخابية أثارت التفاؤل وأن الضربات التي وجهت للعرب والمسلمين من الرئيس السابق بوش الابن جعلتهم يتمنون أي رئيس غيره، إلا أن مقتضيات الحكم في أميركا وموازين القوى بين "الجهات" الحاكمة مقابل سلطة الرئيس تحول دائماً دون اتخاذ أي إدارة أميركية مواقف صريحة ضد إسرائيل تتجاوز الكلام أو الأحلام وتتحول إلى سياسات تضع حدوداً للتكبر الإسرائيلي وتمنح العرب حقوقهم. وعلى ذلك لا يستبعد أبداً أن يقود أوباما تظاهرة للفلسطينيين في القدس أو أي مدينة فلسطينية أخرى مطالباً بالعدل لهم داعماً نضالهم محفزاً العالم على مساندتهم، ولكن ذلك المشهد لن نراه أبداً إلا بعدما يتحرر أوباما... من سلطاته.