أتمنى جداً أن أعرض عليكم مواضيع تهمكم عن وضع المدينة الصحي مثلاً، وأجعل موضوعه هاجسي، أو الصرف الصحي وأنتم بسلامة من مرتع الصرصار والفأر، ويكون مشكلتي، أو أن أناضل لإجبار كل فرد وبقوة الإقناع على وقف رمي نفاياته في العراء، أو أن أفرض أشد العقاب لمن يخالف أية قاعدة من قواعد المرور أو أخلاقيات التربية والتعليم. لكنني لا أفعل! ولا أقدم مواضيع تنشل المرأة من أية بؤرة ظلم تقع فيها، ولا أساعد الشباب في رؤية الطريق في الضباب الذي يعيشون فيه. هذا الوضع مستمر معي، على رغم تمنياتي وأمنياتي بتوعية نفسي وغيري للمحافظة على المياه والطاقة والشباك، لكنني لا أنجح إلا بالتوعية على المحافظة على المشاعر والأحاسيس، وأجدني تواقة إلى الكتابة عن العناية بحساسية الفن والاهتمام بالجانب الجمالي للحياة وسقاية جذور القلب قبل سقيا الأشجار والنباتات، لأن حب الجمال الخارجي والداخلي هو الذي سينقذنا من أية بشاعة حاصلة. أريد أن نسقط في حال جمال جماعية لكل ما هو جميل، وأريد للجمال أن يحرك كل منا ويقلقه، كي نتحرك جميعنا باتجاه بوصلته. فأنت لما تحبه ستجمّل نفسك وبيتك وشارعك ومشاعرك، ولن ترضى بأقل منه، وستنقاد تلقائياً للمحافظة على البيئة ونظامها، لأن الجمال نظام لا فوضى، ترتيب لا عشوائيات، لأن الجمال صادق وسهل وبسيط وفي غاية الوضوح. إنه يحب أن يبان ويرى، لا أن يختفي تحت الطاولة ولا خلف الستارة ولا وراء الظهر. واثق الخطوة وجريء النظرة. لا عيوب لديه كي يخفيها، ولا فساد كي يخجل منه. حقيقي كلامي، أليس كذلك؟ ألا تريد أن تكوّنه أنت في شكلك وبيتك وشاعرك وفي كل ما ترى وتشم وتسمع: جميلاً ومريحاً وشاعرياً أيضاً. دافع عنه إذاً في الكلمة والصحيفة والإعلان والعمران وأضواء السيارات ونظافة البقالات. اعمل من أجله لتصل إليه، اللوم ليس على المهندس والشرطي والمدرس والممرض وموظفي البلديات وهيئات البيئة، إنه على الشاري والمالك ومستعمل الطريق والمنافع من دون أن ننتفع منه. نحن في حاجة إلى التنفيذ، إلى شعب منفذ، لا إلى مقاول ولا رئيس بلدية ولا رئيس تحرير. كم واحداً منكم يتوجه إلى عمله صباحاً مرحاً وسعيداً ومبتسماً لمن يلقاه بتحية عذبة ووجه حليق الذقن ومسرح الشعر والفكر ونظيف الهندام وأنيق الملبس؟ ثم يصل ولنقل إلى مكتبه، فيسقي النبتة على طاولته، ويعتني بفرش مكتبه مثل اعتنائه بفراشه، ثم يرشف القهوة من فنجان جميل كان قد اختاره. آه كم واحداً يشتهي مثل أزمة الجمال هذه؟ أزمة جمال. للعين أن ترتاح وللأذن أن تتمتع لا بالضوضاء والتوتر ونبرة اللؤم، بل بموسيقى الجمل. إلى ماذا تصغي الآن؟ ماذا ترى؟ وماذا تشم؟ ياسمين أم خزامى؟ ماذا تستنشق؟ أهو عطرك الذي يشعرك بالارتياح النفسي؟ وأنت سيدتي قبل ذهابك إلى الماشطة، هل مشطت بيتك وفوقه وحوله؟ نعم فنحن كلنا هذه البيئة. كيف نصل إلى جمالها؟ أهو بتنمية الذوق؟ بل بتنمية الذوق! بالثقافة، لا بالفكر التجاري ولا المادي ولا المحدود كشركاته القابضة على لا شيء، إنه بحب الخير والجمال وبعضنا نحل مشكلة النفايات والعشوائيات والمخدرات والنساء والزواج على النساء. خلف الزاوية كم همسة كتبت عن العشاق عن حلمهم... عن عالم الأشواق لكن وجهك كان أجمل طلعة من كل شعر نام في الأوراق [email protected]