تذرف الممثلة الفلسطينية عرين عمري دمعة في حوار على هامش مهرجان طنجة للفيلم القصير المتوسطي ( 4 – 9 تشرين الأول / أكتوبر 2010)، وتشاركها المخرجة الجزائرية آمال كاتب الدمعة الحرّة نفسها، وهي تتذكر معها صديقتها نادية التي قضت في حادثة سير مؤسفة في رام الله بنتيجة تغيير مفاجئ في خط سير سيارتها الخاصة فرضته الحواجز الإسرائيلية الالتفافية على كثرتها. وتقول عرين إنه لولا إحساسها بهول هذه المأساة لما أقدمت – ربما – على إخراج أول فيلم قصير لها بعد أن اعتادت الوقوف أمام الكاميرا، وبخاصة في أفلام المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الزوج والمنتج هنا. إذ لطالما حاول مشهراوي في مرات سابقة أن يمد يد العون لتحقيق بعض النتاجات السينمائية الفلسطينية من خلال مركز الإنتاج السينمائي الذي يشرف عليه في مدينة رام اللهالفلسطينية. تقول عرين إنها ما إن انتهت من كتابة سيناريو «الدرس الأول» حتى عرضته على مشهراوي ليقوم بإخراجه، ولكن حس المنتج هنا تغلب على حس المخرج في داخله، فأصر على أن تقوم هي بإخراجه، في مفاجأة بدت مثيرة لها. انتظار لم تتردد عرين العمري في الوقوف خلف الكاميرا بعد أن جربت الوقوف أمامها. وفكرت مطولاً بطاقم الممثلين والفنيين الذين يجب أن يقفوا معها في تجربتها الأولى. ولم يطل انتظارها، إذ سرعان ما وقع اختيارها على سامية بكري وفرنسوا أبو سالم وميريت روسيه وسحر عبدة ليؤدوا الأدوار الرئيسة في الفيلم القصير. ولم يخنها إحساسها كممثلة هذه المرة أيضاً، إذ قامت بأداء دور سلمى، الممثلة المسرحية التي تقرر مغادرة بيت المسرح الفلسطيني في رام الله لتبحث عن « وطن بديل للفكرة الطارئة التي غيرت من مجرى حياتي، إذ لطالما بدا الاحتلال الإسرائيلي غاشماً في تسميم أيامنا العادية. هو نفسه الاحتلال الذي يستطيع في كل لحظة وضع حاجز في أي شارع أو تلة أو منعطف وفي أي ساعة يريد، الى درجة أن المسرح الذي نتكلم عنه لا يعود يحمل معنى». مدير المسرح أبو سالم الذي يؤدي دوره الحقيقي أمام عرين وأمام الكاميرا التي تديرها بحرفة واضحة، يرفض فكرتها عن الوطن البديل ويصر على أن المسرح سيظل ينتظرها حتى لو غيّر الاحتلال من مفاهيمه ونظرياته وأماكنه وشخوصه. سلمى بدورها وهي تتنفس الصعداء أمام الكاميرا كممثلة ومخرجة في آن، تكتشف أن مغادرتها لهذا الحصار العمومي ليس مغادرة شخصية «فأنا أبحث عن فكرة في المعنى وليس في الهواء كما قد يخيل للبعض. الهواء مصادر هنا والمسرح من دونه قد يفقد الكثير من ألقه وتواجده بين الناس المحاصرين. أحياناً يصبح أسره في فكرة بسيطة مسألة بغاية الأهمية». آخر كعكة تخرج سلمى في ذلك الصباح الحزين من بيتها مودعة إياه، ويعنّ على بالها أن تشتري آخر كعكة يمكن لها أن تتذوقها تحت الحصار الإسرائيلي، وهي تغادر إلى «المنفى الفرنسي البارد» حيث تلتقي بتوأم مهاجرين روسيين يسألانها باللغة الروسية عن وجهة غير معلومة لها، فتعتذر منهما بأدب. تقول عرين عنهما: «هما صديقان لنا أنا ورشيد ويقيمان في الجوار، وكان وجودهما مهماً في الفيلم «ونحن سنلتقي بهما في الدرس الأول، وهو درس اللغة الفرنسية الموجه للمهاجرين، حيث سنلتقي بأفارقة وآسيويين وعرب وسيكون الحوار عن خريطة الشرق الأوسط هو الموجه لهذا الدرس». حتى هذه اللحظة يبدو بحث عرين العمري عن فكرتها، وكأنه محدد برحلتها في هذا المنفى الاختياري بعيداً من المسرح والحواجز الإسرائيلية والمدن التي نالت أقل من نصف استقلالها، ولم تستيقظ بعد من هول الاحتلال وكوارثه التي لا تنتهي أبداً كما نشاهد في هجوم الجنود الإسرائيليين على بعض الباعة المتجولين في مدينة يفترض انها تتمتع باستقلال ما. ولكن الحوار الذي يبدو بين التلامذة الجدد يقرر وجهة الفيلم برمته، اذ تصطدم سلمى ب «فيتو طالب إسرائيلي» لا يعترف بوجود فلسطين على الخريطة وسط دهشة الباقين الذين لا يفقهون شيئاً من الحوار الذي يدور من حولهم باللغة الإنكليزية. هنا المفارقة تحتل الدرس الأول، إذ يعود بنا الحوار إلى المربع الأول، ويتحول إلى درس في فهم ألف باء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ولكن بعيداً من مركزه. لا يتغير المسرح هنا، ولكنه يبدل من خشبته. لا يعود فرنسوا أبو سالم هنا من يقرر وجهة الممثلين. ما يضطر المدرسة الفرنسية إلى حسمه بطريقتها معلنة أن عليهم التحدث باللغة التي جاؤوا من أجلها. بالطبع لا يمكن هؤلاء المبتدئين الاستسلام إلى لغة لا يجيدونها، فيستسلمون للصمت وسط إصرار سلمى على أن فكرتها عن الوطن البديل لا تتأثر بفهم هذه اللغة أو من دون فهمها. «الدرس الأول» للممثلة والمخرجة الفلسطينية عرين العمري، ليس درساً عن اللغة الفرنسية أحبطته نقاشات الحاضرين يتم بموجبه الزام الوافدين الجدد بتعلمها كما تفترض الدقائق الخمس عشرة لزمن الفيلم. هو درس سينمائي في إمكانية إنشاء الوطن البديل عبر فكرة لا يمكن احتلالها، حتى لو لاذ صاحبها بالصمت أمام الكاميرا وخلفها في الوقت نفسه، وهذا قد يحسب لعرين وهي تنشد أول فيلم سينمائي بتوقيعها.