لم يتردد الموظف مشعل الغامدي في الجهر بصوته مردداً «إذا لم يكن إلا الدفاتر مخرجاً، فما حيلة المديون إلا اختيارها»، ولم يجد مناصاً من استعادة بيت الشعر التراثي وتحويره ليعبّر عن وضعه في ظل خضوعه لعدد من مطالب أطفاله في أحد أسواق المواد الغذائية في منطقة الباحة، خصوصاً حين استعاض عن التسديد الفوري بالتسجيل في دفتر الاستدانة اليومية المخصص للعملاء من ذوي الدخل المحدود، مرجعاً اعتماده على «الشكك» إلى نفاد ما تبقى من راتبه لشهر شوال قبل انتهاء الأسبوع الأول من شهر ذي القعدة. فيما يصف المتقاعد غرم الله أحمد المتهالكين على السحب اليومي من البقالات والتسجيل على النوتة بالمتهورين كونهم يجدون تعاوناً ومرونة من ملاك الأسواق والقائمين عليهم ما يغريهم بالشراء ويحفّزهم على الاستزادة من سلع ليست من الضروريات، مؤكداً أنه عاش تجربة أرهقته مادياً كثيراً كون أولاده لا يتوقفون عن تلبية طلبات الأسرة والتوقيع على صفحته في دفتر الاستدانة اليومي ما يوقعه في صدمة نهاية كل شهر، إذ يجد أن المبلغ المستحق كبير وآلية التسجيل غير منضبطة، داعياً العاكفين على فكرة الدين اليومي إلى الشراء نقداً إن توافرت السيولة والكف عن المغامرة والاستغناء بالميسور إن انعدمت أو شحّت المادة، مشيراً إلى أنه بالتجربة رصد فارقاً مدهشاً بين ميزانيته الشهرية أثناء السحب والتسجيل وبين الشراء النقدي. ويرى الموظف خالد سعد في دفاتر التسجيل رحمة له ولأمثاله من ذوي الدخول المحدودة، لافتاً إلى أن تعدد حاجات الأسرة يحرج رب الأسرة من ذوي الأجور المتدنية كون راتب الشهر لا يفي بالمستلزمات الضرورية كافة للأسرة طيلة الشهر، ما يجعل من «النوتة» حلاً وقتياً ومسكّناً مرحلياً محموداً باعتبار أن صاحب البقالة لم يستغل حاجتنا ويفرض علينا فوائد أسوة بالبنوك وبرامج التورق وشراء السيارات التي تجني أرباحاً تتجاوز المعقول من خلال استغلالها حاجة المعذبين في الأرض كما وصف. بينما أبدى أحد ملاك أسواق المواد الغذائية استياءه من بعض عملائه، موضحاً ل«الحياة» أنه يتعاطف مع صغار الموظفين ممن هم بحاجة إلى دفتر اليومية، مبدياً تحفظه على وصف البعض لهم بالاستغلال، كونهم يبيعون مؤجلاً بنفس السعر الحالي ولا يطلبون فوائد، علماً أن بعض عملائه يماطل في السداد، لافتاً إلى معاناته من بعض غرمائه ممن وثق واحترم مظهرهم ووعودهم بالسداد، إلا أنهم سرعان ما يختفون أو يهربون إلى بقالة أخرى تاركين المديونية معلّقة من دون سداد أو اعتذار. من جهته، أرجع الأكاديمي والاقتصادي السعودي الدكتور حبيب الله التركستاني ظاهرة السحب على النوتة إلى زيادة متطلبات الأسر طوال العام، وارتفاع الأسعار بصورة ملحوظة، وتراجع القوة الشرائية للريال، واصفاً ظاهرة الاستدانة اليومية بالسلبية كونها تغري بشراء كماليات وترهق كاهل رب الأسرة نهاية كل شهر مع موعد السداد، مطالباً بإعادة النظر في رواتب ذوي الدخول المحدودة باعتبار أن من مهمات الدول ومسؤولياتها الأولى تحقيق العيش الكريم لأفراد الشعب وضمان الرفاهية والحماية من التورط في الديون الجالبة هموم الليل وذل النهار.