الحديث عن تطوير مساهمة الجامعات في المجتمع من خلال محور أساسي هو البحث العلمي وانتقيت منه البحث الطبي، مرادفاً للمستشفيات الجامعية لأهميته التنموية، وللعجز الواضح في الخدمة الصحية إجمالاً الذي يظهره تباعد المواعيد، والازدحام الشديد، وقلة الموارد البشرية، ومن خلال محاور ثانوية مثل الإنتاج الثقافي والرياضي الذي سيشكل روافد تحضر مهمة، خصوصاً في مجتمع يمكن اعتباره نامياً بمقاييس المجتمعات المدنية، هذا الحديث لا يكون ذا قيمة من دون إيجاد الحلول المالية والتمويلية للجامعات التي تساعدها في تنفيذ هذه الطموحات. حالياً لا توجد أزمة في تمويل التعليم الجامعي، إذ تسعى الحكومة جاهدة لتوفير التمويل اللازم للجامعات في ضوء أولويات الأهداف التي تترجمها غالباً الموازنة المرصودة للتعليم العالي، إلا أن الزيادة السكانية المطردة، وارتفاع نسبة من هم في سن التعليم، وارتفاع كلفته، تتطلب تمويلاً إضافياً لزيادة الطاقة الاستيعابية للجامعات، ودعم البحث العلمي ومواجهة الزيادة في الكلفة. بعض الجامعات بدأت في تبني فكرة التمويل الذاتي، ببناء الأوقاف، والاستثمار بأشكال مختلفة، وهي حصلت على تسهيلات إجرائية حكومية، وبعضها حصل على مساندة ومنح مالية من المصارف والشركات الكبرى، كما لاحظنا في مشاريع أوقاف جامعة الملك سعود على سبيل المثال، لكن الحاجة ستزداد لحلول مبتكرة تمكّن الجامعات من سد الفجوة المتوقع نموها مستقبلاً بين ما يتم تخصيصه لها حالياً، والمتوقع تخصيصه مستقبلاً، وبين حاجات الجامعة التمويلية، وكما صرح أكثر من مدير جامعة فإن الهدف طويل الأمد هو الوصول إلى التمويل الذاتي كاملاً. الجامعات السعودية بحاجة لتمويل متزايد لأنشطتها، ومن جهة ثانية ستؤثر الضغوط التضخمية في تكاليف التشغيل والتكاليف الاستثمارية، وتبدو الأوقاف أنسب الطرق، لكن يجب التفكير في شراكات نوعية مع القطاع الخاص، ويجب التفكير في البدء في قبول الأجانب برسوم شأنها شأن جامعات العالم، وأخيراً يجب التفكير في الفوز بالبطولات الرياضية والثقافية لحشد التأييد الجماهيري العام، ثم التفكير في الفوز ببراءات الاختراع، والاكتشافات الجديدة للفوز ربما بمشروع العمر الذي سيؤمن دخلاً دائماً للجامعة إلى الأبد إذا تحولت براءة اختراعها إلى منتج وحفظت حقوق ملكيته الفكرية، وهذه في حد ذاتها عملية تحتاج إلى استثمارات ضخمة قبل قطف ثمارها. لقد شارك القطاع الخاص في العملية التعليمية من خلال السماح له بإنشاء الكليات والمعاهد الخاصة، لتتولى مسؤولية تعليم الطلاب غير المقبولين في الجامعات الحكومية المجانية، في مقابل رسوم دراسية يتحملها الطالب، وتبدو فكرة خصخصة الجامعات وتسليمها بالكامل للقطاع الخاص سابقة لأوانها في المرحلة التنموية الحالية، خصوصاً مع وجود ثغرات في تعامل بعض الكليات المالي مع الطلبة، ومع عدم نضوج أفكار تخصيص أخرى تعتبر أقل تماساً مع البعد الاستراتيجي في بناء الإنسان السعودي، ولنقل بناء الإنسان على هذه الأرض سعودياً أو مقيماً، حتى يكون تفكيرنا الجمعي في قضية تمويل الجامعات قريباً من ثقافة العالم الاجتماعية، فيقترب من الثقافة المالية والتمويلية للجامعات العريقة. [email protected]