أقترح أن يتم استعارة هذا الشعار من أمانات المدن وتثبيته على الكتب المدرسية لوزارة التربية والتعليم، أخلت أمانات المدن مسؤوليتها عن الإزعاج المستمر لأعمال الطرق التي لا تنتهي بوضع هذا الشعار، تستطيع أيضاً وزارة التربية والتعليم أن تبرئ ذمتها عن كل الذي تسببه مناهجها المكتوبة للقرون الوسطى لآلاف الأطفال والأمهات والآباء من قلق وضغط. لنأخذ مثلاً، كتاب الإملاء للصف السادس الابتدائي، الذي يورد درساً للتحذير من وضع الإحسان في غير مواضعه، تقول القطعة بالنص الحرفي «خرج فتيان يتصيدون فصادوا ضبعاً لجأت إلى مأوى امرئ يسكن تلك النواحي، فأقبل عليهم بالسيف مسلولاً ليبعدهم، فقالوا له: لماذا تمنعنا من صيدنا؟ قال: لئن لم تنتهوا عن صيدها لأسفكن دماءكم، فتركوها وانصرفوا، وجعل يسقيها اللبن ويعطيها مؤونة جيدة حتى حسنت هيئتها، فبينما هو ذات يوم نائم عدت عليه صؤولة بأنيابها وشقت بطنه وشربت دمه، وهذا جزاء الذي يفعل المعروف في غير أهله»... توضح هذه القطعة بجلاء أي عصر يتحدث عنه المؤلف، أي انفصال تمثله عن جميل اللغة العربية وأدبها أو حسن التربية أو عقلانية المنطق وقربه من أطفال العصر الالكتروني؟... هل يمكن أن تبرر لطفل في ال11 غرابة أن يخرج فتية لاصطياد ضبع من بين كل الحيوانات؟ أو أن يلجأ الضبع لإنسان ليؤويه وهو الهارب من البشر؟ أو أن يكون الشخص على استعداد لقتلهم بالسيف المسلول لإبعادهم عن ضبع شرس؟ أو أن يطعم الضبع لبناً ومؤونة حتى تكبر، أو بشاعة تصوير قتلته، أو حتى مفردة «صؤولة» التي لا أدري من أي معجم تم اصطيادها؟... إن لم تكف هذه القطعة لسد ذائقة الطفل تماماً فيمكن أن نقلب الصفحة للقطعة التالية، وتقول بنص حرفي أيضاً «دخل غلام غرفته فرأى قطاً، فبادر بإغلاق النوافذ وجعل يعدو وراء القط ويضربه بالعصا وهو يموء ويقفز حتى كسر بعض الأدوات فاغتاظ الغلام وازداد في الضرب المؤلم من غير شفقة، فتألم القط كثيراً ولم يجد مفراً فاستجمع قواه ووثب على الغلام ففقأ عينه ففتح الغلام الباب مستغيثاً ففر القط ونجا وبقي الغلام مفقوء العين مشوه الوجه طوال حياته، وعرف أن الظلم يوجب لصاحبه البلاء ويوقعه في الشقاء». هل تستطيع أن تحزر عزيزي الراشد أي درس مستفاد من القطعة؟ ربما تظن الرحمة بالحيوان؟ أو التريث قبل العمل؟... الدرس المستفاد في الحقيقة هو عاقبة الظلم! كان لا بد لدى التربوي واضع النص من استجلاب شناعة وصف الضرب والتكسير وفقأ الأعين حتى يدرك الصغير معنى الرأفة وعاقبة الظلم. نحن نقيم اللجان ونقعدها لإصلاح المناهج الذي لا يتم، وتقوم الدنيا حولنا بسبب 11 إرهابياً من مخرجات تعليمنا، فيما مبدأ «درهم وقاية خير من قنطار علاج» معلّق حتى إشعار آخر ولم يدخل حيز التطبيق بعد. ما تفضّل به وزير التعليم السابق الدكتور محمد الرشيد من توضيح لنقص تأهيل التربويين وفشل محاولات التطوير يستحق الإشادة، النقص في العقول والتأهيل بالتأكيد ظاهر في هذه النصوص وغيرها في الكتب ما اكتشفته الوزارة وسحبته متأخرة بعد توزيعه، ولكنه لا يكفي ذريعة للصمت تجاه هذا الاستمراء في تجاهل المناهج. حتى متى يبذل أطفالنا أوقاتهم وعقولهم في هذا التغييب المؤذي، لو أنه متروك في خانة ما لا يضر ولا ينفع لكان مقبولاً، لكن لا يمكن تجاهل استياء طفل في ال «11» من مجرّد الاطلاع على كلمات النصوص المقززّة، فكيف بحفظه والتدرب عليه، متى نخرج من ثقافة الغزو والسيف والترهيب إلى رحابة العقل والأدب والمنطق والعلم؟... حتى متى نؤجل تهيئة الصغار ونستسلم لبيانات رجعية كارثية يصدرها من لا يمثلنا نحن الشريحة الأكبر الصامتة هنا؟ مؤشرات ارتفاع العنف في المجتمع مقلقة لكل مراقب ومخيفة ولا سبيل للتحكّم في كل ما يهبط على عقول صغارنا ووعيهم عبر الإعلام والألعاب الإلكترونية، في وسط هذه الغابة من العنف لا يوجد الكثير مما يمكن فعله سوى تلك المساحات المكانية المحدودة بين السابعة والواحدة ظهراً، نستطيع أن نقرر فيها ماذا يدخل في عقولهم، نريد لهم تعايشاً مسالماً مع شعوب الأرض وحجة مبنية على علم ومنطق تحليلي سليم في خطاب عصري. أذكر هنا بحسرة تجربة لي كمتطوعة للقراءة في مدارس الأطفال في أسبوع البيئة بالولايات المتحدة الأميركية، أتذكر كم كان ممتعاً أن أقرأ للأطفال قصة لطيفة عن البطل الذي ينقذ مدينتهم من النفايات بشكل كوميدي جذّاب، وكيف ساعده الأطفال في تحويل الخراب إلى جنّة حقيقية على الأرض وليس فقط في السماء، كم تحمّس الأطفال للتفكير في طرق لتحويل بيئتهم إلى أماكن حضارية بعيداً من السيف والدم المسفوح، لم يكن في الكتاب سوى الكثير من الصور والقليل من الكلمات، لم يكن مطلوباً من الأطفال أن يبتلعوا وعورة كلمة كصؤولة وغيرها من الكلمات النشاز. الخطاب الآن موجّه ليس للوزارة، ولكن إلى الغالبية الصامتة هنا من العائلات التي ترسل ملايين الطلاب إلى المدارس كل يوم، أدعوهم هنا إلى عدم الانتظار حتى ينتبه أحد ما في الوزارة إلى الخلل. * كاتبة سعودية. [email protected]