يكثر في هذه الأيام الجدل الواسع حول رياضة المرأة، وتتنوع مواقف الناس بين مؤيد ومعارض، ومطالب ومحارب، وما زالت المطالبة بإشراك المرأة في الأولمبياد والتمثيل العالمي للمرأة السعودية محل نقاش بين أطياف المجتمع المختلفة، ولنتجرد من الخلفيات السابقة للموضوع ونناقشه بإنصاف وهدوء: يُطالب المؤيدون لإشراك المرأة السعودية في الأولمبياد بالمسارعة في الإشراك أسوة بدول عربية وإسلامية سابقة ووفق ضوابط الشريعة السمحة؟ ولك أن تتعجب من الكلمة الفضفاضة التي يحسبها البعض تأشيرة مرور ودليل جواز لكل عمل ينادى به، وأخشى أن نسمع قريباً فتح حانات وفق الضوابط الشرعية، وتدريب راقصات على المقاييس الإسلامية، كما سمعنا بسمك مستورد ذبح بحسب الشريعة الإسلامية. إن كلمة الضابط الشرعي كلمة لا تستقيم في أي عبارة وإلا غدا واضعها أضحوكة للمتخصصين؛ لأن آخر العبارة ينقض أولها، ثم إن البلاد الإسلامية السابقة واللاحقة ليست الهيئة الشرعية التي يستند على عملها، فليس صاحب المقولة الإمام مالك ولا البلاد السابقة في المشاركة غير المحسودة على سبقها أهل المدينة، بل إن مشاركة الدول الإسلامية تعكس الضوابط الشرعية المستقبلية التي يحلم بها المنادون، وتعكس شرعتهم وحدهم لا الشرعة التي جاء الكتاب والسنة بتحديد معالمها، وجعل مسؤولية العلماء وحدهم بيانها فقال:(وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصبيهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرًا من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون). - وللمرء أن يتعجب - أيضًا - حين يرى اهتماماً كثيراً من وسائل الإعلام والمثقفين بهذه القضية وكأن جميع مشكلاتنا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية قد وُجدت لها حلول جذرية، فالوضع في المنطقة يكتنفه الأمن، وغلاء الأسعار لم يعد له في أسواقنا أثر، ونسب البطالة متندية في مجتمعاتنا، والانحرافات السلوكية غريبة على أبنائنا، وحالات الطلاق نادرة، والفساد الإداري معدوم، والتخلف التربوي والعلمي لا تعرفه محاضننا التربوية، وهدر المياه لا يشكل أزمة وطنية....إلى غير ذلك. - وهل أصبح الهدف من ممارسة الرياضة التتويجات والبطولات ودخول جنة الأولمبيات أم أن ممارسة الرياضة تنطلق من وعي صحي تكاملي في فكر المجتمع الإسلامي الذي يحرص على الشمولية في الدعوة للمحافظة على صحة البدن الحسية والمعنوية باعتباره أمانة لدى صاحبه، الذي أمره ربه بالمحافظة عليه وعدم الإضرار به؟! وهذا ما لا يتفق مع بعض الرياضات التي لا تناسب الجنس الرقيق اللهم إلا عند من يؤمن بالمساواة التامة ويتبناها، وهل استطعنا أن نبث الثقافة الغذائية الصحية، وأن نشير إلى أهمية مشاركة المرأة الفاعلة في الأعمال المنزلية بدلاً من استقدام العاملات بأعداد مزعجة جعلتنا في مقدم دول العالم في الاستقدام؟! - وهل ثقافة المشي أصبحت ثقافة مجتمعية؟ وهل حلت مشاركة المرأة في الأولمبياد البدانة لدى المرأة الأميركية؟ وهل ... يتبعها مئات هل ..في البحث عن إجابة تساؤلات عن غياب الفكر الراقي في ثقافة رياضة المرأة. إن رياضة المرأة ضرورة لا ترف، واعتماد تأصيل هذه الثقافة واجب لا بد من أن يتنادى أفراد المجتمع على تأصيله ونشره، ولا يمكن أن نحلّي المرأة بممارسة الرياضة ما لم نكافح معوقات الإيمان بضرورتها، إذ لا يمكن أن تمارس المرأة الرياضة وهي تكسل عن إحضار كوب ماء لها، وتتلذذ بكل ضار من الأطعمة المكتظة بآلاف السعرات، وتعجز عن الإسهام في بعض الأعمال الأسرية التي تعد أعمالاً رياضية تسهم في حرق السعرات ومكافحة تراكم الشحوم. إن عالَم اليوم يقوم على صراع القوى فأميركا تنافس على تفوقها الجوي، وأوروبا تفخر باتحادها المحكم، والهند بمفاعلاتها النووية، واليابان بتقدمها التكنولوجي... وفي صراع القوى يقدم كل بلد ما يرفعه إلى مصاف الأقوياء، ونحن نقدم نساءنا مربيات الأجيال ومصانع الرجال للنط والخط ولعب كرة القدم حتى لا نعيش العزلة الأولمبية. داعية وأكاديمية سعودية. [email protected]