لما تفشى مرض السكري بشكل ملحوظ في أصقاع العالم كافة، وبات مصدر تهديد لبني البشر، خصوصاً أن توقعات الخبراء تشير إلى إصابة 350 مليون شخص به مع حلول عام 2025، بل إنه طاول المجتمع السعودي أيضاً حتى بات السعوديون من أكثر شعوب العالم عرضة للإصابة بهذا المرض بعد ارتفاع نسبة إصابتهم به إلى 25 في المئة، كان لزاماً على القائمين على الشؤون الصحية في جدة قيادة حراك يهدف إلى معالجة الوضع القائم، وذلك من طريق مؤتمر جدة الرابع للجديد في علاج أمراض السكري والغدد الصماء الذي اختتمت فعالياته أخيراً، ونظمه مستشفى الملك عبدالعزيز ومركز الأورام على مدى ثلاثة أيام وسط مشاركة خبراء ونخبة متميزة من الاستشاريين والاختصاصيين في مجال السكري والغدد الصماء بغية رفع المستوى المهني للممارسين الصحيين المعنيين برعاية مريض السكري لتقديم حياة أفضل له. ويعتبر داء السكري من أخطر أمراض العصر الحديث وضريبة حياة الرفاهية ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى ارتفاع نسبة مرضى السكري في السعودية هو الارتفاع الشديد لنسبة الإصابة بالسمنة، إذ بلغت أكثر من 30 في المئة لدى الرجال وتزيد على 35 في المئة بالنسبة للنساء. ويعد هذا الداء السبب الأول عالمياً في الإصابة بالفشل الكلوي والعمى والضعف الجنسي لدى الرجال وبتر القدمين وهو سبب رئيس أيضاً للإصابة بالجلطات القلبية والدماغية. ويمكن القول إن مؤتمر جدة الرابع تناول آخر المستجدات في علاج وتشخيص داء السكري وضغط الدم وزيادة نسبة الدهون الضارة بالجسم وطرق الوقاية ومكافحة السمنة وطرق التغذية الصحية، كما تطرق في جلساته العلمية إلى أحدث ما توصل إليه الطب الحديث في علاج داء السكري (مثل استخدام مركبات «الانكريتين» التي تشمل أقراص «سيتاجلبتين» وحقن «الاكسنتايد»، وآخر التقنيات المستجدة في مضخات «الأنسولين» والعلاج الحديث للقدم السكرية)، كما ناقش المحاضرون آخر ما توصل إليه الطب الحديث في علاج أمراض الغدة الدرقية وجارة الدرقية (مثل خمول وفرط الغدة أورام الغدة الدرقية وجارة الدرقية عند الأطفال والبالغين)، وأمراض العظام (مثل الهشاشة ولين العظام)، وأسباب وطرق تشخيص وعلاج قصر القامة وأسباب وعلاج زيادة هرمون الحليب واضطراب الدورة الشهرية وتكيس المبايض لدى النساء وأمراض الغدة الكظرية (فوق الكلوية) (مثل زيادة «الكورتيزون» بالجسم)، وأورام الغدة الكظرية وعلاج أمراض الغدة النخامية بالدماغ، كما قام على هامشه معرض للأدوية في مجال علاج السكري والغدد الصماء. وفي سياق متصل، شدد رئيس اللجنة العلمية ومساعد المشرف العام للشؤون الطبية لمستشفى الملك عبدالعزيز ومركز الأورام الدكتور ناصر الجهني على إمكان منع داء السكري من النوع الثاني قبل حدوثه وذلك من طريق التخلص من الوزن الزائد (السمنة) والذي يعتبر السبب الرئيس للإصابة بهذا المرض، وذلك باتباع نظام غذائي متوازن يحتوي على جميع العناصر الغذائية المهمة من خلال تقليل الوجبات السريعة المشبعة بالدهن والسكريات البسيطة وممارسة الرياضة وأبسطها المشي السريع لمدة نصف ساعة والتي بدورها تقلل من مقاومة «الأنسولين» وبالتالي التحكم في مستوى السكر في الدم، إذ أثبتت الدراسات العلمية أن الوزن الزائد يساعد أيضاً على التحكم في ضغط الدم ونسبة «الكولسترول» الضار بالجسم، مما يقلل بدوره من الإصابة بالجلطات القلبية والدماغية، كما أن التشخيص والعلاج الباكر لداء السكري يقلل أو يمنع هذه المضاعفات. وأبدى الجهني أسفه لعدم إقبال كثير من المرضى على أخذ حقن «الأنسولين» عند الحاجة إلى هذا العلاج الفعال للتحكم في نسبة السكر بالدم، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن بعض الأطباء من غير المختصين يتأخرون أيضاً في إعطاء المريض «الأنسولين»، لافتاً إلى ضرورة استخدام جهاز فحص السكر المنزلي لمن يستخدمون حقن «الأنسولين» والاعتناء بفحص ونظافة القدمين لتفادي بترهما (لا قدر الله). وأكد ضرورة تشخيص وعلاج سكري الحمل باكراً تفادياً للمضاعفات على الأم والجنين بغية إنجاب أطفال أصحاء، وشدد على ضرورة الاهتمام بمراقبة وعلاج الأمراض المصاحبة للمصابين بداء السكري (مثل ارتفاع ضغط الدم وزيادة نسبة «الكولسترول» الضار بالجسم)، وعلى ضرورة أخذ العلاج اللازم تفادياً للجلطات القلبية والدماغية، وعلى أهمية زيادة الوعي والتثقيف لدى جميع شرائح المجتمع للتعريف بأخطار هذا الداء لتجنب العوامل المؤدية إلى الإصابة بالسكري، إضافة إلى إدخال التوعية بالمرض في المناهج الدراسية ومراقبة وجبات المدارس والحد من الوجبات السريعة وذلك حماية لأطفال المستقبل من السمنة والإصابة بهذا الداء، ودعم وتطوير الخدمات المقدمة للمصابين بداء السكري، مع تشجيع ممارسة الرياضة وتهيئة الأماكن العامة المخصصة لذلك، وتكاتف جميع الجهات الحكومية وغير الحكومية مع وسائل الإعلام للتأكيد على ضرورة مكافحة داء السكري والحد من انتشاره، ورفع مستوى الممارسين الصحيين وإطلاعهم على آخر ما توصل إليه الطب في الوقاية والعلاج في داء السكري وأمراض الغدد الصماء الأخرى، من طريق إقامة المؤتمرات والندوات وورش العمل. وفي ما يخص أمراض الغدد الصماء الأخرى، تطرق الجهني إلى جملة من التوصيات منها ضرورة تشخيص وعلاج هشاشة العظام ولين العظام باكراً، تفادياً لحدوث كسور في عظام الوركين والظهر واليدين والتي تؤدي إلى عدم القدرة على الحركة أو الوفاة، والكشف الباكر لإمراض الغدد الدرقية مثل خمول وفرط الغدة أورام الغدة الدرقية عند النساء بصورة عامة وعند المواليد والحوامل بصورة خاصة، من طريق عمل فحص دم مخبري بسيط لعلاجها باكراً وتفادي مضاعفاتها كالتخلف العقلي لدى الأطفال والعقم واضطراب الدورة الشهرية لدى النساء، مع ضرورة المتابعة الطبية الدورية لمرضى سرطان الغدة الدرقية، لتفادي انتشار المرض بالرقبة والجسم، وضرورة استشارة الطبيب المختص في مرحلة مبكرة عند وجود اضطراب بنمو الطفل مثل صعوبة المشي أو قصر القامة، وأهمية تنقيص الوزن وممارسة الرياضة للنساء المصابات بتكيس المبايض والذي فد يؤدي إلى العقم واضطراب الدورة وزيادة الشعر غير المرغوب بالجسم.