بعد الضجة الكبرى التي أثارها إعطاء جائزة نوبل للسلام الى المنشق الصيني ليو تشيباو، يجدر التذكير بأن بعضاً من أهم العلوم لا تحظى بجائزة ضمن لائحة نوبل. وأبرز العلوم المحرومة من نوبل هي الرياضيات، على رغم ان البعض يعتبرها «أم العلوم»، بل والفلسفة أيضاً. ولا يغيب عن الذاكرة ان الفيلسوف الشهير فرانسيس بيكون نصح بتعلّم الرياضيات لكل من يحس ان عقله شرع في الكسل أو التخبّط. في المقابل، ثمة جائزة شهيرة في علوم الرياضيات، اسمها ميدالية فيلدز، ينظر إليها بمثابة «نوبل» الرياضيات. وفي هذا العام، حازت البحوث المتصلة ب «نظرية الفوضى» («كاوس» Chaos) باهتمام وافر في جائزة للرياضيات، توازي جائزة نوبل في العلوم. ففي مدينة حيدر آباد الهندية، وزّع «الاتّحاد الدّولي لعلوم الرياضيّات» (International Mathmatics Union واختصاراً IMU) أخيراً سبع جوائز لهذه العلوم، منها جائزة «شيرن»، التي تبلغ قيمتها خمسمئة ألف دولار. وُزّعت الجوائز خلال إنعقاد «المؤتمر الدولي للرياضيات» ICM الذي يلتئم كل أربع سنوات. وانتخب الاتّحاد أيضاً إنغريد دوبيشيز من جامعة برنستون لتكون أولّ امرأة تحوز منصب الرئاسة. وحصل أربعة علماء في الرياضيات على وسام «فيلدز»، الذي طالما اعتبر جائزة تعادل جائزة نوبل في حقل الرياضيّات. وأعطي لكل من إلون ليندنشتراوس (الجامعة العبرية، القدس) وونغو تشاو باو (جامعة جنوب باريس، أورساي) لعملهما التحليليّ في التطبيقات المتعلقة بنظريّة الأعداد. وفي مجال العمل النظريّ في الفيزياء الإحصائيّة، ذهبت الجوائز الى ستانيسلاف سميرنوف (جامعة جنيف، سويسرا) وسيدريك فيلاني (معهد بوانكاريه، باريس). وأشار «الاتحاد الدولي لعلوم الرياضيات» إلى أنّ ليندنشتراوس حقق إنجازات بعيدة المدى في نظرية «إرجوديك»، التي تدرس السلوك الإحصائي للأنظمة الديناميكية. فمثلاً، لنتخيّل ضفدعة تنط بشكل متكرر بحيث تتساوى قفزاتها في الطول والاتجاه، ولنتخيّل أيضاً أنها تنطلق من زاوية مربّع على رقعة شطرنج مترامية الحدود. في هذه الحال، تتناول نظرية «إرجوديك» مسائل مثل توزيع نقاط هبوط الضفدعة داخل المربّعات، خصوصاً إمكان اقتراب الضفدعة، عِبر نطاتها التي يفترض أنها متساوية، من زوايا المربعات على رقعة الشطرنج الضخمة المفترضة. وقدم وونغو دليلاً قوية لمساندة فرضية لم يجر التثبّت منها قبلاً، ضمن إحدى نظريات الأعداد. وتُعرف الفرضية باسم «الإشكالية الأولية» Fundamental Dilemma. وتقع هذه الفرضية في صميم رؤية موحّدة وواسعة للرياضيّات، أُرسيت أسسها الأولى في أواخر الستينات من القرن العشرين. وتجمع هذه النظرية تقريبًا جوانب الرياضيّات الحديثة كلها. وأضاف سميرنوف دقّة الرياضيات إلى نواحٍ مهمّة من الفيزياء الإحصائية. ووصفت ستيفان ميلر من جامعة «بون» في ألمانيا، العمل الذي أنجزه فيلاني بأنه يربط بشكلٍ وثيقٍ بين الرياضيّات والفيزياء، خصوصاً في ما يتصل بقياس مدى الاختلال في الأنظمة المنتظمة («إنتروبيا» Entropy). وبيّنت أن عمل فيلاني يضيف دقة كبيرة على مسألةٍ مهمة في الفيزياء الإحصائية: بأيّ سرعة يمكن لنظام ذي درجة عالية من التوازن، كالغاز المضغوط الذي يكون على وشك الانطلاق، أن يصل إلى حال اختلال التوازن فيه. وقدّم فيلاني إجابة عن هذا السؤال تضمنت مفاجأة. إذ بيّن أنّ الإنتروبيا (الاختلال) تحدث بسرعات مختلفة خلال العملية نفسها في النظام نفسه، فيزيد الاختلال في الانتظام أحياناً بسرعة، ويسير ببطء في أحيان اخرى. ومُنحت جائزة «نيفانلينا» المخصصة للعاملين في رياضيات الكومبيوتر، لدانيال سبيلمان من جامعة «يال»، لمساهماته في برمجة الحاسوب ونظام رموز تصحيح الأخطاء فيه. ومُنحت جائزة «غوس»، المُخَصّصة للرياضيات التطبيقية، لإيف مايير، أستاذ في مدرسة الأساتذة العليا في كاشان في فرنسا. وفي الثمانينات من القرن الماضي، أدى مايير دوراً فعّالاً في تطوير نظريّة الموجات في الرياضيّات التي وضعت أسس معيار الصورة الرقمية المضغوطة في الكومبيوتر، (اشتهر المعيار باسم «جي بيغ 2000» JPEG 2000) ما مهّد لظهور الاسطوانات الرقمية المُدمجة «دي في دي». وكُرّم لويس نيرنبيرغ من جامعة «نيويورك» بجائزة «شيرن» لاشتغاله طويلاً على النظرية الحديثة للمعادلات التفاضلية الجزئية، إضافة الى تكريسه وقتاً مديداً لتوجيه الباحثين في مرحلة ما بعد الدكتوراه. القسم العلمي - بالتعاون مع مركز الترجمة في «دار الحياة»