في انتظار زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما مصر في الرابع من حزيران (يونيو) المقبل، حيث سيطرح أفكاراً أميركية للحلول في المنطقة، تغلب على المرحلة المقبلة، التي ستتعدى هذا التاريخ بالتأكيد الى آخر العام الحالي، حال من الانتظار لما سيؤول اليه التباين الأميركي - الإسرائيلي، حول مقاربة الأزمات الكبرى في المنطقة. وينبغي التسليم بأن ثمة جديداً في هذا التباين، وفي المقاربة أيضاً، يفرض على الجميع أخذهما في الحسبان، نتيجة تغيير الأولويات لدى أوباما، بدءاً بأزمة باكستان - أفغانستان، مروراً بالنووي الإيراني والعراق... انتهاء بفلسطين... وبات معروفاً، إذا أردنا تبسيط هذين التباين والمقاربة، أن واشنطن، نظراً الى إعطائها الأولوية لمواجهة حظر القنبلة النووية الإيرانية، تدعو إسرائيل الى الإقبال على عملية السلام مع الفلسطينيين على قاعدة حل الدولتين لأنها تكسب بذلك وقوف العالم العربي معها في مواجهة محتملة أو عقوبات قاسية ضد إيران، إذا فشلت المفاوضات معها. ويدعو أوباما رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو الى خيار صعب، للمرة الأولى منذ عقود، إذ أن الأخير، مشحوناً بمزيد من التطرف الى جانبه في الطبقة السياسية الإسرائيلية، يدعو، بدل حل الدولتين، الى صيغ واهية تقوم على تحسين الوضع الاقتصادي المعيشي للفلسطينيين والقدرات الأمنية الفلسطينية مراهناً على استمرار الانقسام الداخلي بين «حماس» و «فتح» ومنظمات أخرى، بحجة تقديم مقتضيات المواجهة مع أولوية الخطر الإيراني... على اتفاق السلام مع الفلسطينيين. وفي تبسيط آخر أيضاً، فإن نتانياهو لا يقيم وزناً للتوجه الأميركي الجديد القاضي بسحب ورقة فلسطين من يد إيران من أجل التفاوض معها في إطار سياسة «الانخراط» معها بالحوار، على الملف النووي، من موقع مختلف يستطيع تجييش سائر الدول العربية الى جانب واشنطن في هذا العنوان الشائك والمترابط مع دور طهران الإقليمي المتمدد. وهو لا يعير أي أهمية لاضطرار واشنطن الى مراعاة المطلب العربي المزمن بوجوب حل القضية الفلسطينية من أجل مواجهة التطرف الإسلامي والتوسع الإيراني... ومع أن معلقين إسرائيليين يرون أن الدولة اليهودية في ورطة نتيجة الخيار الذي تضع ادارة اوباما اسرائيل أمامه، فالرئيس الاميركي يقف إزاء امتحان قدرته على إحداث تعديل جذري في سياسة الطبقة الحاكمة الحالية في إسرائيل. وقد تأتي النتائج مخالفة لمراهنات بعضهم على أن يثمر هذا التباين بين الحليفين الاستراتيجيين نتائج عملية، إذ أن واشنطن قد تحتاج الى وقت من أجل التأثير على الجانب الإسرائيلي، حتى لو أوقفت صفقات تسلح أو مساعدات مالية، كما فعلت إدارة الرئيس جورج بوش الأب في بداية التسعينات حين استخدم إجراءات من هذا القبيل من أجل جر الدولة العبرية الى عملية مؤتمر مدريد. فالعنوان العريض لسياسات إدارة أوباما هو «ترميم قيادة أميركا للشرق الأوسط» عبر المقاربات الجديدة التي تطرحها. وهي لديها مقاربات وأدوات قديمة سبق أن استخدمتها إذا تعذر ترميم قيادتها الجديدة وإذا تعذر عليها دفع إسرائيل الى الخضوع لأولوية حل الدولتين ووقف الاستيطان والحصار... وهنا مكمن الخطر في مرحلة الانتظار التي ستتكشف خلالها قدرات واشنطن على إحداث تعديل جذري في مسار الصراع العربي - الإسرائيلي. وإذا طالت هذه المرحلة فإن الأدوات القديمة كفيلة بتقطيع الوقت الذي يستنزف أي مقاربة جديدة والذي تنجح إسرائيل دائماً في استثماره. ومن هذه الأدوات ما سارع نتانياهو الى إعلانه فور ارفضاض لقائه مع الرئيس الأميركي بإبداء الاستعداد لمفاوضات من دون شروط مسبقة مع الفلسطينيين ومع سورية، في إطار اللعب على المسارات لتعطيلها كما درجت العادة. والتفاوض مع دمشق قد يشكل مهرباً للحكومة الإسرائيلية يجد صدى إيجابياً لدى بعض الإدارة الأميركية. ومن هذه الأدوات القديمة أيضاً تصاعد الفتنة السنية - الشيعية التي ارتاحت إليها واشنطن خلال السنوات الماضية. فهي أشعلت الفتيل في العراق والحريق كفيل بالامتداد التلقائي. والدليل انزلاق «حزب الله» في لبنان مجدداً الى هذه الفتنة، ولو تحت عنوان إفشالها، كما حصل في ذكرى 7 أيار (مايو)، من خلال خطابه التعبوي لمناسبة الامتحان الانتخابي...