يدخل مجلس الوزراء اللبناني في جلسته غداً برئاسة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في دوامة جديدة من السجال السياسي حول طبيعة الخطوة المرتقبة في شأن شهود الزور في ضوء التقرير الذي رفعه إليه وزير العدل ابراهيم نجار، واعتبر فيه ان القضاء اللبناني جهة صالحة للنظر في ملفهم بناء لإصرار وزراء «حزب الله» والمعارضة (سابقاً) على استرداد هؤلاء الشهود ومحاكمتهم بتهمة تضليل التحقيق الدولي في جريمة اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. ويبدو أن تقرير نجار لن يحل المشكلة لأن الأجواء التحضيرية لجلسة مجلس الوزراء توحي بأن الحكومة ستواجه مسلسلاً جديداً من الانقسام الحاد حول الجهة القضائية الصالحة للنظر في هذا الملف في ضوء إصرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحلفائه في المعارضة على صلاحية مجلس الوزراء بإحالته على المجلس العدلي (أعلى مرجعية قضائية) باعتبار ان المادة 317 من قانون أصول المحاكمات الجزائية تنطبق على الأفعال الجرمية لشهود الزور لجهة تعكير الأمن العام في لبنان وتهديد الاستقرار فيه بسبب أقوالهم وإفاداتهم، في مقابل رأي آخر لقوى 14 آذار وعلى رأسهم رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري يعارض إحالتهم على المجلس العدلي باعتبار ان النظر في هذا الملف هو من صلاحية القضاء العادي الذي يتولى التحقيق معهم بناء لادعاء شخصي من المتضررين من أقوالهم وإفاداتهم. وبكلام آخر، وكما تقول مصادر مواكبة للأجواء السياسية التي تسبق جلسة مجلس الوزراء، فإن الانقسام بين القوتين الرئيسيتين في مجلس الوزراء سيكون حاضراً بشدة، وأن موقف رئيسي الجمهورية والوزراء المحسوبين عليه والآخرين المنتمين الى «اللقاء النيابي الديموقراطي» برئاسة وليد جنبلاط من شأنه أن يشكل بيضة القبان في ترجيح الصوت السياسي الغالب لحسم الجدل في خصوص الملاحقة القضائية لشهود الزور، إلا في حال التوصل الى تسوية لتفادي إقحام الحكومة في اشتباك سياسي جديد على رغم ان معالمها ليست مرئية أو واضحة للعيان. ومع ان الرئيس بري - بحسب أوساطه - يأخذ على الوزير نجار أنه تراجع في مطالعته عن إحالة ملف شهود الزور الى المجلس العدلي عبر إعلانه ان صلاحية النظر فيه من اختصاص القضاء العادي، فإنه يبدي ارتياحه الى موقف جنبلاط من هذه المسألة قبل ان يتواصل الأخير امس مع الرئيس الحريري في محاولة «الربع الساعة» الأخير للتفاهم على مخرج يقود الى تسوية ما، فيما توجه امس وزير الأشغال العامة والنقل غازي العريضي الى المملكة العربية السعودية للقاء كبار المسؤولين فيها والتشاور معهم في آخر التطورات المستجدة لا سيما ان الرياض ودمشق كانتا توصلتا الى تفاهم من اجل التهدئة في لبنان والحفاظ على الاستقرار العام فيه. وكانت لجنبلاط امس سلسلة من المواقف على دفعات أطلقها خلال استكماله جولته التي بدأها الأحد الماضي على قرى وبلدات قضاء عاليه رأى فيها ان «موضوع شهود الزور سياسي - قضائي ويمكننا معالجته في القضاء وفي السياسة مع الرئيس بشار الأسد. إذا أُحسنت النيات نقول للمحكمة الدولية: اسمعي القرائن الأخرى فهناك شهود زور حوّروا التحقيق وضللوا الحقيقة وخربوا العلاقة بين لبنان وسورية». ولفت جنبلاط الى «ان القضاء اللبناني يستطيع فتح ملف شهود الزور من خلال التقرير الذي قدمه الوزير نجار وعندها ندخل منه الى المحكمة الدولية التي نعتبر ان في بعض جوانبها، إن لم يكن في كل جوانبها، استندت الى قرائن مغلوطة في خصوص الاغتيالات». وسأل جنبلاط: «لماذا لا يريدون تحسين العلاقة بين لبنان وسورية، لسبب بسيط، لأنهم يريدون ان يبقى الجو مكهرباً؟ ولماذا لا يأخذون بالقرائن الجديدة التي قدمها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ولماذا يصرون على عدم الاستماع إليه؟». ودعا الى ان يكون مجلس الوزراء المقبل (غداً) منطلقاً لمعالجة موضوع شهود الزور باعتباره المنطلق «لتحسين وفتح العلاقة الجيدة والإيجابية التي صنعناها بالدم مع سورية». وشدد جنبلاط على بقاء الحريري على رأس الحكومة واصفاً دعوته الى الاستقالة بالكلام السخيف، في رد غير مباشر، على مطالبة النائب في كتلة «المستقبل» نهاد المشنوق رئيس الحكومة بالاستقالة. وقال: «إن سعد الحريري جريء ولن يسمع لتلك الأصوات التي طالبته بالاستقالة، لأن ذلك يعني الفراغ، بدلاً من ان نتطلع الى المستقبل». وقال جنبلاط: «احياناً نمر بفترات تتطلب من المرء تضحيات، وكلنا مررنا بذلك، إذ يكون من الضروري ان نتخلى عن بعض المرافقين السياسيين، أي بمعنى ان نقول لهم: انتم انتهى دوركم والمرحلة تحتاج الى جرأة». وفي هذا السياق، كشفت المصادر المواكبة ل «الحياة» أن قوى المعارضة تتطلع من خلال فتح ملف شهود الزور على مصراعيه الى الطلب من المحكمة الدولية، من خلال وساطات عالمية يمكن استقدامها، التريث في إصدار القرار الظني في جريمة اغتيال الحريري الى حين انتهاء القضاء اللبناني من النظر في الملف. وسألت: «أي شهود زور سيمثلون امام القضاء، ومن هي الجهة الصالحة لتسميتهم وبالتالي الأدلة التي سيؤخذ بها لمحاكمتهم؟». وقالت ان مجلس الوزراء سيكون امام ملفين لشهود الزور، الأول الذي أثارته المعارضة سابقاً وطلب في حينه الوزير في «حزب الله» حسين الحاج حسن محاكمة أكرم شكيب مراد (الموقوف حالياً في سجن رومية بتهمة تعاطي المخدرات)، وابراهيم جرجورة وعبدالباسط بن عودة ومحمد زهير الصديق، والثاني سيضيفه اليوم النائب في كتلة «المستقبل» عقاب صقر في مؤتمر صحافي يعقده ويلفت فيه النظر الى ضرورة الاستماع الى شهود من نوع آخر، كانوا وراء تسريب الشريط المسجل لأحمد أبو عدس وفيه اعتراف باغتيال الحريري، واتهام 6 من الحجاج اللبنانيين المقيمين في استراليا بالجريمة نفسها والادعاء بأن مجموعة ال13 الموقوفة في سجن رومية بتهمة الإرهاب هي وراء تنفيذ الجريمة، اضافة الى محاسبة المسؤولين عن العبث بمسرح الجريمة واللعب فيه. وسألت المصادر نفسها عن الأدلة لاتهام شهود الزور بتضليل التحقيق وسوق الاتهامات التي تسببت بتوقيف الضباط الأربعة اللواءين جميل السيد وعلي الحاج والعميدين ريمون عازار ومصطفى حمدان، لا سيما ان المحكمة الدولية كانت أعلنت انها ليست الجهة الصالحة للنظر في ملف شهود الزور، وبالتالي هل تم توقيفهم وآخرين بناء لأقوال هؤلاء، أم لمعطيات أخرى في ضوء قول المدعي العام في المحكمة الدولية دانيال بلمار ان أقوالهم مشكوك في صدقيتها؟ وأشارت المصادر عينها الى ان لا صلاحية لمجلس الوزراء في ان يرشد القضاء الى ما سيفعله، وعزت السبب الى مبدأ الفصل بين السلطات وإلى عدم وجود إمكان لإحالة شهود الزور الى المجلس العدلي لغياب الأسباب الجرمية الخاصة بمثل هذه الإحالة. وقالت ان مجلس الوزراء يتداول في تقرير الوزير نجار باعتبار ان القضية وطنية ولها طابع سياسي وأن فريقاً أساسياً في البلد طالب بمحاكمتهم، إضافة الى السؤال عن إمكان الاطلاع على إفاداتهم في حال استمعت إليهم لجنة التحقيق الدولية أو المحكمة الدولية.