بدأت في مدينة خاباروفسك أقصى شرق روسيا امس، أعمال قمة روسية – أوروبية، ينتظر أن تشكل نقطة انطلاق لتوقيع إتفاق جديد للشراكة والتعاون بين الطرفين قبل نهاية هذا العام. وأعرب الجانبان عن تفاؤلهما بفتح حوار «بناء وإيجابي» على رغم الملفات الخلافية الصعبة المطروحة أمام القمة. على صعيد آخر، دعت روسيا حلف شمال الأطلسي الى اظهار استعداده لاستئناف الحوار بين الجانبين. واعتبرت أن «تطور العلاقات بين موسكو والحلف يعتمد على بروكسيل». وبدأت أعمال القمة الروسية – الاوروبية مساء أمس، بلقاء بين الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف ونظيره التشيخي فاتسلاف كلاوس بصفته رئيساً للدورة الحالية للاتحاد الاوروبي ورئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروسو والممثل الاعلى للسياسة الخارجية في الإتحاد خافيير سولانا، تمهيداً للمحادثات الرسمية اليوم. وأثار اختيار مكان عقد القمة في خاباروفسك الواقعة في أقصى القسم الآسيوي من روسيا على مقربة من اليابان، تعليقات مراقبين، لفتوا إلى أن «جغرافيا انعقاد القمة تعكس درجة البرودة في العلاقات الروسية - الأوروبية»، في إشارة إلى بعد المكان عن أوروبا ودرجات الحرارة المتدنية فيه، علماً أن هذه ثاني قمة «ترسلها موسكو إلى سيبيريا وأبعد» كما قال أحد المعلقين، مذكراً بأن القمة السابقة التي استضافتها روسيا عقدت في مدينة خانتي مانسيسك وسط سيبيريا. وعلى رغم برودة المكان وبعده عن أوروبا بدأت القمة أمس، بأجواء متفائلة إذ عبر الطرفان عن سعيهما إلى إعادة إطلاق العلاقات التي تأزمت بقوة بعد الحرب الروسية - الجورجية في آب (أغسطس) الماضي. وأشارت المفوضة الأوروبية للعلاقات الخارجية بنيتا فيريرو فالدنر إلى أن الإتحاد تربطه بروسيا علاقات شراكة إستراتيجية وتعاون وثيق، في حين أكد الكرملين على رغبة بلاده في تعزيز هذه الشراكة. في الوقت ذاته، أشار الجانبان قبل إنطلاق أعمال القمة إلى «ملفات خلافية» صعبة، بينها كما قال ناطقون أوروبيون مسألة العلاقة مع جورجيا وملف أمن الطاقة الأوروبي الذي يشعر الأوروبيون بأنه بات رهينة علاقات روسيا مع جاراتها وخصوصاً أوكرانيا التي تمر أنابيب نقل الغاز الطبيعي الروسي إلى أوروبا عبر أراضيها. وفي إشارة ذات مغزى، قالت المفوضة الأوروبية إنها ترى أن «العائلات الأوروبية التي كادت تتجمد برداً في الشتاء الماضي لم تنس ذلك الحادث» وإنها ترى أن أزمة الغاز في بداية هذا العام» زعزعت الثقة بروسيا كمورد أمين للطاقة وبأوكرانيا كطريق آمن لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا»، في إشارة إلى خلاف روسي - أوكراني على الأسعار أسفر عن قطع إمدادات الغاز إلى أوروبا عدة أيام مطلع العام. وإضافة إلى ملف أمن الطاقة في أوروبا الذي يشغل حيزاً مهماً من النقاش خلال القمة، أعلن مصدر في الكرملين أن ميدفيديف ينوي مناقشة موقف الاتحاد الأوروبي من الوضع داخل جمهوريات سوفياتية سابقة خصوصاً لجهة «تشجيع نظام ميخائيل ساكاشفيلي (الرئيس الجورجي) والتدخل الروماني السافر في تأييد تحركات استفزازية في مولدافيا». وأعلن مساعد الرئيس الروسي سيرغي بريخودكو، أن تعاون روسيا والاتحاد الأوروبي في تذليل الأزمة المالية العالمية سيكون موضوعاً رئيسيا في قمة روسيا - الاتحاد الأوروبي. ويسعى الطرفان خلال القمة إلى بلورة خطة مشتركة لعرضها على إجتماع «الثمانية الكبار» المقرر في تموز (يوليو) المقبل و «قمة العشرين» المقررة في أيلول (سبتمبر). وتعد هذه واحدة من النقاط التي تتقارب فيها مواقف الطرفين على رغم وجود ملفات خلافية في هذا الشأن أيضاً، بينها بحسب مصادر روسية تحدثت إلى «الحياة» موضوع إغلاق الأسواق الأوروبية أمام صادرات روسية. وهناك أيضاً مبادرة «الشراكة الشرقية» التي أقرتها أوروبا للتعاون مع عدد من الجمهوريات السوفياتية السابقة وترى موسكو أنها موجهة ضدها. ولفت مصدر روسي إلى وجود أربع ملفات خلافية أساسية مطروحة للبحث على طاولة المحادثات. وتشكل قضايا أمن الطاقة في أوروبا أبرزها وينتظر أن تظهر تباينات قوية في شأنه خصوصاً أن موسكو طلبت من الاتحاد الأوروبي تحديد ملاحظاته خلال القمة الحالية على المقترح الروسي الخاص بتأسيس منظومة مشتركة للتعاون الدولي في مجال الطاقة. وأوضح بريخودكو أن روسيا أصرت على مناقشة هذا الموضوع، علماً أن مفوض الاتحاد لشؤون الطاقة اندريس بييبالغس، يشارك في أعمال القمة الحالية. ومعلوم أن الرئيس الروسي تقدم بمبادرة عقد معاهدة طاقة شاملة، تساعد على تطوير قطاع الطاقة في أوروبا. وتؤكد موسكو أنها لا تضع مبادرتها في مواجهة مع ميثاق الطاقة الأوروبي. ويتعلق الملف الخلافي الثاني في فرص استئناف التعاون الطبيعي بين الطرفين وتجاوز الأزمة الحالية في العلاقات، وتوقيع اتفاق جديد للشراكة والتعاون بين الطرفين علماً أن هذا الموضوع واجه اعتراضات من جانب بلدان في أوروبا الشرقية أسفرت عن تأجيل توقيع الوثيقة أكثر من مرة. وتعد تداعيات أزمة القوقاز الصيف الماضي وإصرار موسكو على موقفها بالإعتراف بإنفصال أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية عن جورجيا، عنصراً أساسياً في هذا الشأن. وتأتي قضية الأمن «الأورو - أطلسي» ضمن لائحة الملفات الخلافية أيضاً، ومعلوم أن موسكو اقترحت في وقت سابق مبادرة لوضع معاهدة جديدة شاملة حول الأمن الأوروبي. وقال بريخودكو: «إننا نعتزم طرح هذا الموضوع بإصرار في إطار مجلس روسيا - الأطلسي، وفي إطار الاتحاد الأوروبي». وبعيداً من الملفات الخلافية المباشرة، أعلن بريخودكو أن القضايا الدولية «حاضرة على طاولة البحث» وأبرزها التسوية في الشرق الأوسط، وبرنامج إيران النووي، والوضع في أفغانستان وباكستان. وقال المسؤول الروسي إن بلاده تصر على تبني مواقف شاملة ومشتركة في التعامل مع هذه الملفات.