أظهرت مناقشات ماراثونية بين وزراء خارجية الدول العربية ليل الخميس - الجمعة وجود انقسام إزاء موضوعي «تطوير منظومة العمل العربي المشترك» وإقامة «رابطة الجوار الإقليمي»، ما أدى إلى «ترحيل» هذين الملفين إلى اجتماع القادة في سرت صباح اليوم للبت فيهما بموجب ورقة يقدمها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى تلخص مواقف الدول الأعضاء. ويتوقع إحالة الملفين على القمة العربية العادية المقررة في 23 آذار (مارس) المقبل، بعد اتخاذ بعض الخطوات المبدئية فيهما في ختام قمة سرت الاستثنائية بعد ظهر اليوم. وأكدت مصادر متطابقة ل «الحياة» أن القادة العرب «سيقرون من حيث المبدأ» في ختام قمتهم إقامة «اتحاد الدول العربية» مع تكليف الأمانة العامة بإجراء مزيد من المشاورات مع الدول الأعضاء وتوسيع اللجنة الخماسية التي تضم ليبيا واليمن والعراق ومصر وقطر ل «البناء» على توصيات قادة هذه الدول في اجتماعهم في حزيران (يونيو) الماضي. في المقابل، بدا موضوع «رابطة الجوار» أبعد ما يكون من التحقيق، على رغم أن موسى «بادر» إلى تغيير المشروع من «رابطة الجوار» إلى «منتدى الجوار» ليضم الدول العربية جميعها مع 20 دولة آسيوية وأفريقية وأوروبية مجاورة. وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم ل «الحياة» إن الاجتماع الوزاري انتهى إلى تكليف موسى برفع مذكرة بمواقف الدول التي «أيدت الموقف السوري الذي تحدث عن ضرورة البدء بالبعد الاقتتصادي والبنية التحتية التي تربط الدول العربية وإعادة النظر بالأنظمة للسماح بتنقل المواطنين ورؤوس الأموال». وأضاف رداً على سؤال أن دمشق «ترحب من حيث المبدأ برابطة الجوار. وسورية تعتقد أن الحوار هو الأساس في توسيع شبكة العلاقات العربية مع دول الجوار على ألا يستثني الحوار أياً من الدول المجاورة... لا نريد استثناء أي دولة مجاورة»، قبل أن يشير إلى أن «واقع الحال ليس كذلك. كما أننا نريد هدفاً: أين سيصل الحوار؟ هل هدفه حل المسائل العالقة أم تطوير العلاقات؟ إذا كان الهدف تطوير العلاقات فهذا يحتاج إلى آليات. هل لدى العالم العربي آليات متوافرة كي يحقق الحوار أهدافه؟». وكان موسى افتتح الاجتماع الوزاري بحضور ممثلي جميع الدول العربية، باستثناء لبنان، لمناقشة بندي «العمل العربي» و «منتدى الجوار». وبعد توزيع مسودتين ل «اتحاد جامعة الدول العربية» مع وثائق شارحة و «منتدى الجوار العربي» مع مذكراته وخلفياته، جرى نقاش بين الوزراء إزاء الموضوعين. وبحسب وثائق الأمانة العامة للجامعة التي اطلعت على نصها «الحياة»، فإن مصر والعراق واليمن تتمسك بتسمية «اتحاد جامعة الدول العربية» فيما ترى الجزائر أفضلية ل «اتحاد الدول العربية»، كما أن ليبيا والجزائر رفضتا أن يكون مقر الاتحاد في القاهرة. وأخذ ممثلو عدد من الدول العربية على مسودة «الاتحاد» التي وزعت عدم مناقشتها المفوضيات التابعة له وإعطاء صلاحيات واسعة للامين العام. وبحسب مذكرة قدمها الجانب المصري إلى الاجتماع التشاوري، فإن القاهرة ترى ضرورة «اتباع التدرجية» وفق ما جرى إقراره في قمة سرت في آذار (مارس) الماضي، وضرورة «التزام الإطار القانوني المتفق عليه في القمة الخماسية في حزيران (يونيو) الماضي، وهو خمس سنوات لتحقيق تطوير منظومة العمل العربي». لكن مصادر في الاجتماع قالت ل «الحياة» إن الامارات ترى أن «مبدأ تطوير العمل العربي المشترك جيد وإيجابي، لكن لا بد من دراسته في شكل مستفيض وطرح خيارات عدة أمام القادة في القمة مع الأخذ ببعض اقتراحات الدول، ليتناسب مع متطلبات العمل العربي المشترك». وشددت الكويت على ضرورة «خلق شراكة اقتصادية وتحقيق التكامل الاقتصادي والاجتماعي بين الدول العربية»، مشيرة إلى أنها ترى «عدم تأييد إقرار مشروع البروتوكول حالياً وتفضل إجراء مزيد من الدراسات عليه». ويشير الجانب العراقي إلى وجود «جوانب سياسية وقانونية وتنظيمية تضمنها البروتوكول»، وان الامر يتطلب إجراء مزيد من الدراسات لمعرفة مدى انسجامه مع القواعد الدستورية في العراق، في حين قدم الجانب الجزائري مداخلة تفصيلية انطلقت من ضرورة ان يكون القرار «مسبوقاً بتقييم موضوعي ودقيق للوضع الحالي»، وضرورة «اتباع منهجية مناسبة لتجسيد الاصلاحات»، مع أخذها على ان المقترحات المقدمة في مسودة الاتحاد العربي ليست سوى «منظمة جديدة ذات طابع حكومي»، وان «قرار الجامعة القيام بمراجعة وتعديل ميثاق الجماعة يقودنا إلى طرح تساؤلات عن الشروط والآثار القانونية المترتبة على هذه المراجعة». وشدد الجانب المغربي على أن «الإرادة السياسية تنطلق دائماً من اعتبار الوحدة سبيلاً لحل الأزمات»، مع الإشارة إلى «المصالحة البينية لتجاوز الخلافات السياسية وتحقيق الاندماج التنموي لقيام تكتل عربي وازن في محيطه الإقليمي والعالمي»، وإلى أن «المدخل الطبيعي للتطوير يمر عبر الجهود الذاتية الوطنية لكل بلد على حده، بحسب قدراته». وهو يرى أن «تطوير منظومة العمل العربي يقتضي ألا ينظر إليه كتحول جذري بقدر ما يجب التعاطي معه كفرصة لتجاوز بعض النواقص برؤية رصينة نحو المستقبل»، إضافة إلى ضرورة «التدرجية» لضمان «الاستمرارية والنجاح». وطالب اليمن بتأسيس صندوق عربي يخضع لإشراف المجلس التنفيذي المقرر تشكيله ل «توفير التمويل اللازم لتنفيذ قرارات القمة العربية»، فيما قالت الكويت إنها «لا تؤيد إنشاء مصرف مركزي عربي». وترى البحرين والجزائر أن تكون ولاية الامين العام للاتحاد أربع سنوات «قابلة للتجديد مرة واحدة فقط». وتضمنت الوثائق «خريطة طريق» للخطوات المقترحة لإنجاز تطوير الجامعة العربية تضمنت «اعتماد» التوصيات الصادرة عن القمة الخماسية وإصدار قرار خاص بعقد قمتين عربيتين في السنة: واحدة عادية وثانية تشاورية، مع عقد قمة ثقافية في العام 2012، إضافة إلى قرار بإقامة «المجلس التنفيذي للاتحاد» من رؤوساء الحكومات ومن في حكمهم، وقرار بانشاء «المفوضية العامة» للاتحاد. وتعقد القمة العربية العادية المقبلة في 23 آذار. وعُلم ان العراق يتمسك بعقدها في بغداد، فيما تتجه الامور إلى عقدها في شرم الشيخ مع ترؤس العراق للقمة. وتقرر في الختام رفع مسودة البروتوكول المؤسس ل «اتحاد جامعة الدول العربية» وتوصيات القمة الخماسية ومذكرة من موسى لمواقف الدول المعنية إلى القادة لدرسها في اجتماعهم اليوم. من «رابطة الجوار» إلى «منتدى الجوار» وتناولت مناقشات الوزراء البند الثاني على جدول أعمال القمة الطارئة، ويتعلق ب «سياسة الجوار العربية ومقترح إقامة رابطة الجوار الإقليمي»، بموجب ما جرى إقراره في قمة سرت الأخيرة. وراوحت مواقف الدول بين حديث وزراء خارجية دول عربية عن «حساسيات» مع إيران وتساؤلات عن كيفية قيام منتدى يضمها إلى العرب، وتأكيد دول أخرى ضرورة «عدم استثناء أي دولة»، وصولاً إلى الاكتفاء بقيام منتدى عربي مع كل دولة منها، كما هي الحال في «المنتدى العربي - التركي» و «المنتدى العربي - الصيني». وطرحت تساؤلات مع بعض الوزراء إزاء كيفية إمكان ضم دول أوروبية مثل اسبانيا وقبرص إلى «المنتدى» في وقت تلتزم هذه الدول قرارات الاتحاد الأوروبي. وفضل ممثلو عدد من الدول الاكتفاء بوثائق خطية إزاء ملف «شديد الحساسية». وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن وزير الخارجية العراق هوشيار زيباري أبلغ موسى خطياً «دعم» مقترحه إطلاق سياسة جوار عربية تنبثق منها «رابطة إقليمية» أو «منتدى» أو «محفل إقليمي» في إطار جامعة الدول العربية «لأن تأسيس هذه الرابطة من شأنه أن يفتح أقنية ويقيم جسوراً من الحوار والعلاقات العربية مع الدول الأجنبية المجاورة ويساعد في تقريب وجهات النظر والوصول إلى مساحات مشتركة». وعلمت «الحياة» أن وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط بعث الشهر الماضي برسالة إلى الامانة العامة للجامعة تتضمن «تأكيد ترحيب مصر بفكرة إنشاء رابطة الجوار وأهمية وجود سياسة واضحة ومحددة المعالم للدول العربية مجتمعة تجاه جوارها الإقليمي»، مع اقتراحه التركيز على تركيا وتشاد والسنغال وقبرص ومالطا. ونقلت مصادر عن أبو الغيط تأكيده أن «المنتدى يجب أن يقوم على تصور سياسي واضح لاستراتيجية عربية موحدة تجاه الحوار»، قبل أن يشير إلى أن الأمر «يحتاج إلى مزيد من الدراسة والتدقيق». وقال وزير الخارجية الأردني ناصر جودة في مذكرة أرسلها إلى موسى إن موضوع الجوار «يتطلب وحدة الصف وتوفير الحد الأدنى من تلاقي المصالح العربية البينية ما يوفر إمكان المضي قدماً في إنشاء الرابطة المقترحة بثقة تضمن النتائج المرجوة». ورأى أن «إقامة منتديات للحوار سيسهم مستقبلاً في ايجاد إطار جديد يحكم العلاقات العربية». ودعم وزير الدولة العماني للشؤون الخارجية يوسف بن علوي «مبادرة» قيام سياسة الجوار، على أن تتم في المرحلة الأولى عملية تأسيس «منتدى للحوار مع دول الجوار»، باعتبار أن ذلك «سيفتح المجال لانضمام جميع الدول الراغبة في تطوير آفاق التفاهم والمصالح المشتركة مع الدول العربية في مختلف المجالات السياسية والامنية والاقتصادية والتجارية والصناعية والثقافية بما يقوي الحوار ويعزز ثقافة الام والسلم والاستقرار». وعُلم أن رئيس دولة جزر القمر أحمد عبدالله سامبي أيد المبادرة كونها «تفتح باباً لتطوير الروابط التاريخية»، وان وزير الخارجية الاسباني ميغيل انخيل موراتينوس أكد لموسى دعمه ذلك وان مدريد ستكون «شريكاً مميزاً» في هذا المشروع، وفق ما أفادت الأمانة العامة للجامعة، كما أشارت إلى ترحيب رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بالأمر. وكانت الجامعة طلبت من الدول الأعضاء بعد الاجتماع الوزاري في أيلول (سبتمبر) الماضي مواقف خطية. وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن الامارات، وهي بين الدول الأكثر حساسية لهذا الأمر بسبب جزرها الثلاث التي تحتلها إيران، أبلغت الجامعة قبل يومين أنها «ترى أن موضوع سياسة الجوار العربي يتطلب مزيداً من الدراسات، كونه موضوعاً خلافياً يضع الدول التي ستبدي تحفظات عن بعض دول الجوار في موقف حرج يسبب لها توتراً في العلاقات مع الدول المتحفظة عليها». وشددت على ضرورة «التعامل مع هذه الإشكالية بشفافية ووضوح». أما البحرين، فرأت أن فكرة تأسيس المنتدى «جديرة بالاهتمام وسيكون للدول العربية دور فعال من خلال هذه الفكرة للتفاهم مع دول الجوار لحل الكثير من المشاكل العالقة في ما بينها وستعزز موقف الدول العربية كطرف واحد تجاه العديد من القضايا والمشاكل المشتركة»، إضافة إلى أن الرابطة سيكون لها «دور كبير في حل المشاكل إقليمياً من دون الحاجة إلى تدخل أطراف أخرى». ولفتت تونس إلى ضرورة أن يكون «إطار الحوار مرناً ويركز على الجانب الاقتصادي خصوصاً» من دون أن يكون بديلاً من الحوار الموجود وفق الأطر القائمة مثل الحوار العربي - الأوروبي. واقترحت الجزائر «الاكتفاء حالياً» بوثيقة «إعلان مبادئ حول سياسة الجوار، تتضمن المبادئ العامة التي تتيح الحفاظ على وحدة الأمة العربية وعلى معالمها الاستراتيجية في اطار ترقية سياستها للجوار». ودعمت جيبوتي إلى قيام «منتدى عربي للجوار الاقليمي» على غرار المنتدى العربي - الصيني، كما اعتبر الجانب الفلسطيني المبادرة «جديرة بالدراسة» مع اقتراح البدء بالدول التي ترتبط بعلاقات ثقافية واقتصادية وقرب جغرافي مع الدول العربية، «شرط ان تستثنى من ذلك إسرائيل ما دامت لا تعترف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وترفض الانسحاب من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة في العام 1967». واقترح «إعطاء وقت اكبر لتهيئة الأجواء والمناخات مع بعض دول الجوار نتيجة وجود خلافات مع بعض هذه الدول». وشدد الجانب المغربي على ضرورة عدم تناقض الحوار مع «الثوابت والمبادئ المعمول بها في الإطار العربي أو أن تكون بديلاً لآليات عمل الدول العربية مع الافارقة أو المحيط الاورو- متوسطي أو المنتدى العربي - التركي»، فيما نوّه اليمن بمبادرة موسى، قبل ان يقترح «إحالة المقترح إلى فريق من المتخصصين في المجالات المراد التعاون في شأنها لوضع رؤية استراتيجية انطلاقاً من الهدف العام وفق فترة زمنية وعرض ما يتم التوصل إليه في القمة العربية المقبلة».