البحث في دور المشرع العربي ومدى تأثيره على أحكام الدولة بالصبغة الإسلامية يختلف بحسب اختلاف جنسية هذا المشرع، لأن كل مشرع يتحدد دوره وتأثيره بحسب موقف دولته واتجاهها الدستوري من أحكام الشريعة الإسلاميةوفي حقيقة الأمر فإن موقف المشرع العربي مرتبط بمسلك الدولة ونوع اتجاهها الذي تسلكه وموقفها الدستوري من الشريعة الإسلامية، ومسلك الدول العربية ومدى علاقة دستورها بالإسلام يرتبط بنوع الاتجاه التي تسلكه تلك الدول وهو يتحدد في اتجاهين: الأول: يتمثل في أن بعض الدول العربية تكتفي بالنص على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، وتتعامل مع أحكام الإسلام بتعامل الشعوب غير الإسلامية نفسه مع أحكام الشريعة الإسلامية. فالمشرع في الدول التي تتبنى هذا الاتجاه يكون مجزءاً وقابلاً للتبعيض لأنه يجزئ القاعدة الشرعية حتى يتواكب مع ما يتبناه اتجاه الدولة الدستوري وموقفها في الدستور من قواعد الشرع. وبوجهة نظري أن هذا الاتجاه يجانبه الصواب، لأن الإسلام نظام كلي شامل وعام ولا يقبل التجزئة في أركانه والتبعيض، ولذلك فالدول التي تتبنى هذا الاتجاه لا تعبر بنصوصها التشريعية عما ينص عليه الإسلام في أحكامه، كما أن تلك الدول تتبنى التناقض في هذا الاتجاه ما بين ديانة الشعب وعواطفها وميولها الدينية وفطرتها، وما بين مسلكها الدستوري الذي يُجزئ في كثير من تشريعاته القواعد الشرعية، وموقف المشرع في دول هذا الاتجاه لا يُمثل إلا شعاراً وليس نظاماً إسلامياً أصيلاً، والمشرع غير ملزم قانوناً باتخاذ الشريعة الإسلامية مصدراً للتشريع، لأن نص الدستور لا يقرر هذا الالتزام وليس عليه سوى أن يسن القوانين والتشريعات بما يتلاءم مع الظروف والأوضاع الداخلية لدولته من دون أن يجهد نفسه في مناسبتها مع أحكام الشريعة الإسلامية. يجب التنويه على أن تشريعات بعض الدول لا تتعارض كلها مع أحكام الشريعة الإسلامية، وإنما قد تلاقي الاتفاق مع أحكام الشريعة وقد تختلف مع أحكام الشريعة الإسلامية، ومن أبرز الدول التي تتبنى هذا الاتجاه دول اتحاد الجمهوريات العربية «مصر، وسورية، وليبيا». الاتجاه الثاني: هذا الاتجاه يتماشى وينصف الشريعة الإسلامية، لأنه يتعامل مع الشريعة الإسلامية ليس من منظور اعتبارها كعقيدة وشعائر فقط، وإنما باعتبارها مصدراً يستمد منها الأحكام والتشريع. ولهذا فإن موقف المشرع في الدول التي يتجه دستورها هذا الاتجاه يكون اكبر دقة وتأثيراً، لأنه يعول عليه في استنباط أحكام الشرع والاجتهاد فيها، ومن أمثلة الدول التي تتبنى هذا الاتجاه «السعودية واليمن». لا أظن أن الاحتكام لقواعد الشريعة الإسلامية واعتبارها المصدر الأساس للتشريع حكماً وحقيقة لا شعاراً وشعيرة يخلق الفجوة التشريعية بين حاجات المجتمع العربي من جانب وبين التشريع من جانب آخر كما نراه الآن، وذلك لأن الإسلام جاء عاماً لكل الأزمنة والأمكنة ويتسم بالمرونة وعمومية قواعده وتجريدها، كما أن أحكامه تتسم بالذكاء والنظرة البعيدة الصالحة للحاجات الإنسانية كافة، والواقع يشهد أن القاعدة الإسلامية تتسم بالعمومية والتجريد وأنها قاعدة عامة يتحقق في ظلها الأمن والعدالة الدولية والمحلية. من أجل ما سبق أتساءل لماذا لا يسلك المشرع العربي مسلكاً صحيحاً في تشريع قوانينه، وألا يجعل نظرته القانونية عند التشريع خالية من التوجه لأحكام الشريعة الإسلامية الغراء؟ [email protected]