حافظت الحرب على المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على وتيرتها في ظل استمرار الدعوات الى الهدوء وضبط السجال السياسي الذي انتقلت حرارته الى الساحة المسيحية مع الرد العنيف من رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع على زعيم «التيار الوطني الحر» ورئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون، اذ قال جعجع إنه لم يتوقع لعون «نهاية ساقطة كالتي يعيشها اليوم». وبدأ مجلس الوزراء في جلسته العادية التي عُقدت عصر أمس برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، البحث في ملف شهود الزور بناء لإلحاح وزراء المعارضة، لا سيما وزراء كتلة «التحرير والتنمية» التي يرأسها رئيس البرلمان نبيه بري، على وقع تواصل الاتصالات السعودية – السورية التي أكدت مصادر مواكبة لها أن من نتائجها دعوة جميع الفرقاء الى ضبط المواجهة السياسية – الإعلامية القائمة حول هذا الملف وموضوع المحكمة في حدود لا تمس الاستقرار وتحفظ الهدوء، مع التشجيع على الحوار بين الفرقاء. وإذ أكدت مصادر رسمية ل «الحياة» أن آخر مظاهر التواصل السعودي – السوري المستمر كانت زيارة مستشار خادم الحرمين الشريفين الأمير عبدالعزيز بن عبدالله دمشق مساء الاثنين الماضي حيث التقى الرئيس بشار الأسد للبحث في الوضع في لبنان ولمتابعة المشاورات بين الرياضودمشق حول تطورات الوضع في العراق والجهود القائمة لمعالجة أزمة تشكيل الحكومة في بغداد والاتصالات الدائرة في هذا الصدد على الصعيد الإقليمي. وذكرت مصادر مواكبة للتواصل السعودي – السوري أن التوافق بين الجانبين على إيجاد ضوابط للوضع في لبنان يفترض أن ينعكس على الفرقاء المحليين، وأن هذا التوافق هو الذي جعل الرئيس سليمان يؤكد أمس لزواره من النواب أن «هناك مبالغة إعلامية وسياسية بالتشاؤم». ونقل نواب من كتلة زحلة عن سليمان أن «لدى الجيش والقوى الأمنية تعليمات بمنع استعمال السلاح والانتشار وحصول أي إشكال وبالضرب بيد من حديد في مواجهة أي محاولة للعبث بالأمن». وفيما واصل نواب وقياديون من «تيار المستقبل» و «قوى 14 آذار» انتقاد المذكرات واعتبارها غير قانونية وحذّر بعضهم وكذلك الأمانة العامة لقوى 14 آذار من انقلاب ينويه «حزب الله»، أبلغ الحريري، بحسب ما قالت مصادر مطلعة ل «الحياة»، قياديين في تيار المستقبل أن «كل ما يصدر من تهديدات هو مجرد تهويل ويهدف الى الضغط، ولا أحد يستطيع القيام بأعمال مخلّة بالأمن لأنه لن يربح مما يحصل في وقت سيخسر البلد برمته». وكان «حزب الله» واصل هجومه على المحكمة أمس وقال مسؤول العلاقات الدولية فيه عمار الموسوي إنه «لا يمكن أن تتحول العدالة الى شعار يستخدمه أصحاب الأجندات السياسية». وكانت سخونة السجال انتقلت الى الساحة المسيحية فردّ جعجع على اتهام عون له أمس بالتسلح «وإلا كل واحد يتحمل مسؤوليته»، فقال: «لم أكن أتوقع أن تصل بك الأمور الى دعوة حلفائك الى مهاجمة منافسيك على الساحة المسيحية عسكرياً وأمنياً». وسأل: «هل القوات تدعو الناس الى التمرد على السلطات أم أنت؟». واتهم النائب في كتلة «القوات» انطوان زهرا عون بالتسلح من إيران، قائلاً إن «بعض مناصري القوات اشتروا سلاحاً فردياً هو كناية عن علبة تحوي رشاشاً و8 مماشط و4 قنابل، من عناصر حماية عون». وبالعودة الى جلسة مجلس الورزاء التي عُقدت عصراً، قالت مصادر وزارية إنه فور دخول سليمان الى قاعة الجلسة ليبدأ بكلمة سياسية يفتتح بها الجلسة، طلب وزير حركة «أمل» محمد خليفة الكلام بالنظام، وقال: «إننا كوزراء حركة أمل نرهن اليوم مشاركتنا في هذه الجلسة بطرح ملف شهود الزور ونصرّ على أن يطرح». وانضم اليه الوزير علي العبدالله الذي اعتبر ان «هناك تداعيات خطرة في البلد تحصل الآن، وهناك أحاديث عن سيناريوات حرب أهلية ومذهبية ولا يمكن السكوت. ونحن نستغرب وليس لدينا أي تفسير لتأخير هذا الملف بما أن وزير العدل أعلن جاهزيته لمناقشته في مجلس الوزراء... وفي حال لم يرِد رئيس الجمهورية ولا رئيس الحكومة المضي في هذا الأمر سننسحب وسنقاطع هذه الجلسة». فوعد رئيس الجمهورية بمناقشة الموضوع بعد انتهاء جدول الأعمال. وذكرت المصادر أن المشاورات بدأت مباشرة بين وزراء المعارضة الذين أكدوا أنهم فوجئوا بقرار وزراء «أمل» لعدم وجود تنسيق مسبق في الخطوة، وأشار هؤلاء الوزراء الى أن ما أقدم عليه وزراء «أمل» تم بإيعاز من الرئيس بري الذي «لم يعد يتحمل السكوت عن هذا الأمر وهو قرر التحرك، وهذه أول خطوة سيتحرك فيها باتجاه فتح ملف شهود الزور». وكان بري التقى صباح أمس الرئيس سليمان. وأجرى وزراء تكتل «التغيير والإصلاح» اتصالات بالعماد عون وقيل لهم مباشرة «عندما ينسحب وزراء أمل تنسحبون معهم». بدوره أوعز النائب سليمان فرنجية لوزيره يوسف سعادة بالطلب الى وزراء «أمل» التروي والتأني قبل اتخاذ هذا القرار، ولكن إذا حصل الانسحاب، فعليه الانسحاب معهم. وخرج الوزير حسين الحاج حسن أكثر من مرة من الجلسة وأجرى اتصالات عدة، وقال: «إذا كنا نحن من يريد هذا الملف ونطلب من البداية البت فيه ومناقشته في جلسة مجلس الوزراء، فهل يعقل ألاّ نؤازر وزراء أمل في خطوة كهذه؟». وزاد: «تفاجأنا بالخطوة التي قام بها وزراء أمل، لكنها إيجابية وربما تدفع الى تحرك مجلس الوزراء سريعاً، خصوصاً أن القضاء السوري تحرك ولم يتحرك القضاء اللبناني». وكان الوزير عن أمل محمد خليفة (الصحة) قال إن مناقشة قضية شهود الزور «لا تحتاج الى تقرير (من وزير العدل) وكل ما كلّف به الوزير (إبراهيم نجار) هو النظر في إمكانية الادعاء على شهود الزور أمام القضاء اللبناني. وهذا الموضوع أصبح اليوم جدياً أكثر من أي وقت مضى». وقال وزير الإعلام طارق متري الذي تلا مقررات جلسة مجلس الوزراء الرسمية ليلا، إن رئيس الجمهورية ميشال سليمان أكد «أن موضوع شهود الزور شائك ويحتاج الى استكمال الاتصالات، وقرر استكمال مناقشة الموضوع في الجلسة المزمع عقدها الثلثاء المقبل. كما أشار الى أن القوى العسكرية والأمنية جاهزة للقيام بواجبها من كل النواحي، المراقبة وحفظ الأمن والمتابعة. وتحدث رئيس الحكومة سعد الحريري عن زيارة وفد الاتحاد العمالي العام له، والتي عرض خلالها مطالبه. ثم جرى نقاش عام في مسألة شهود الزور، على رغم أنه لم يكن على جدول أعمال هذا الاجتماع، وبعد هذه المناقشة العامة ومداخلة للرئيس الحريري أكد فيها «ضرورة أن يسود الهدوء ومعه الحكمة وروح الحوار وقبل ذلك وبعده الالتزام بدرء الفتنة كي نبحث في جدية كبيرة لما التزمنا به، قضية شهود الزور»، قرر مجلس الوزراء متابعة البحث في القضية المذكورة بعد الاطلاع من قبل الوزراء جميعاً على تقرير وزير العدل على أن يتم ذلك في جلسة الأسبوع المقبل. وقال رداً على سؤال: إن التقرير «قيد التوزيع على الوزراء» وعندما قيل له، هل صحيح أن وزراء حركة أمل هددوا بالانسحاب؟ قال: «لا». وبعد مداخلة رئيس الجمهورية التي اقترح فيها بحث جدول الأعمال والموازنة أولاً، أبلغ وزراء «أمل» مجلس الوزراء أنهم سيعلقون مشاركتهم في أي جلسة لا تبحث ولا تبت بملف شهود الزور. وشدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري على أن «التمادي في وضع لبنان بعين الخطر وحشره في عنق الأزمة، لا بل الفتنة، لم يعد يحتمل»، لافتاً الى أنه بعدما تحدث أمس مع رئيس الجمهورية في هذا الموضوع فقط، طلب من وزراء كتلته حض الحكومة على البدء بمناقشة ملف شهود الزور، وإلا فإن الوزراء سيمتنعون عن حضور أي جلسة لا تخصص لدرس هذا الموضوع وإقراره قبل أي شيء آخر.