ربما لا يميزها تواضعها ورقي أخلاقها، بقدر ما يميزها شعورها بما قد تعانيه ويعيشه الكثير من فتيات الوطن من هموم وآلام وتحديات قد تقف عائقاً أمام نجاحهن وتميزهن وتحقيقهن لأهدافهن، وربما يكون قبولها لإجراء هذا الحوار الأول رسمياً لها، ضمن أجندتها في خدمة المرأة والفتاة السعودية... الدكتورة فتحية بنت حسين القرشي، أستاذ مساعد بقسم علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية، والمشرفة على الفرع النسوي لهيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكةالمكرمة، وعضو الجمعية العلمية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية... وبعيداً من منصبها، وبحكم تخصصها تقول: «ينبغي أن نعمل في مجتمعنا على تنمية الوعي بقيمة الحياة الأسرية المستقرة والآمنة، والحرص على التماسك الأسري المبني على الثقة والحوار والدعم والاحترام»... فإلى نص الحوار: برز دور الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، خصوصاً في السنوات الأخيرة، مع عدد من قضايا العنف الأسري... هل يعني ذلك أن قضايا العنف في مجتمعنا في تزايد أدى إلى هذا الاهتمام؟ - تهتم هيئة حقوق الإنسان بتمكين جميع فئات المجتمع من حقوقهم المشروعة، وتعتبر قضايا العنف الأسري من أبرز وأسوأ مظاهر انتهاكات هذه الحقوق، إذ يمارس العنف بصور ودرجات متنوعة في جميع المجتمعات ومن ضمنها المجتمع السعودي، وغالباً ما يرتكب العنف من فئات لا تدرك عواقبه وتعتبره وسيلة تربوية أو رمزاً للمركز أو المكانة، بينما في الحقيقة يعبر استخدام العنف عن ضعف في القدرة على التواصل، وجهل بالحقوق والواجبات، وانحراف في الفكر والمشاعر الإنسانية، ويعتبر العنف إحدى القضايا التي تعالجها الهيئة بحزم، وتسعى الجهات المعنية كافة للحد من ظهورها وانتشارها. كما تستهدف الهيئة التوعية بحقوق الإنسان وتنقية الثقافة من شوائب تتعارض مع أحكام الدين الإسلامي ومراقبة ووقف الاعتداءات على الضرورات الخمس التي يؤكد الإسلام على أهميتها، فسوء استخدام السلطة والتجاوز في استخدام الصلاحيات والإهمال في المسؤوليات من الأفعال غير الأخلاقية التي تدل على جهل بتعاليم الإسلام السمحاء أو تجاهلها، ويجب وقف هذه الأفعال وملاحقة مرتكبيها، وتقديم الدعمين الاجتماعي والنفسي اللازمين لضحاياها بالتعاون مع الجهات الحكومية والأهلية المعنية. من خلال كونك أكاديمية وتحملين تخصصاً دقيقاً في علم الاجتماع الأسري لا نزال نسمع من جيل الأمهات والجدات أن الوضع الأسري في السابق أفضل بكثير من الوضع حالياً، برأيك ماذا تحتاج الأسرة السعودية في الوقت الحاضر ليسود الأمن والاستقرار بين أفرادها؟ - تعتبر الأسرة السعودية نواة للمجتمع السعودي وهي مؤسسة تربوية مهمة يستند إليها المجتمع في مهام الرعاية والضبط لسلوكيات الأفراد، وقد تعرضت الأسرة للتغير في تركيبها ووظائفها، فتقلصت بنيتها، وكذلك وظائفها، كما تأثرت بالعولمة وما تحمله من مفاهيم وأفكار قد تتعارض مع القيم الأسرية، وبذلك ضعف تأثير المعايير الثقافية العامة على السلوك الأسري، وتزايدت حدة الخلافات الأسرية نتيجة للاختلافات في القيم والاتجاهات، وضعف الشعور بالأمن الأسري، خصوصاً بين الفئات الأقل قدرة وتمكيناً كالزوجات والأولاد، كما تضاءلت فرص الحصول على الدعم العاطفي من الأقارب بسبب الاستقلال في السكنى عنهم، إذ انشغل الكثير من الآباء والأمهات عن مهام التربية والرعاية للأولاد، ولم تعد الأسرة تلبي بصفة كافية الحاجة الملحة بين أعضائها للدعم العاطفي. ولعل ذلك ما يفسر الكثير من مظاهر الانحراف التي تنتشر بين عدد من الأولاد والبنات ومحاولات جذب الاهتمام بسلوكيات مخالفة ومتهورة، ولكي تعود الحياة الأسرية للاستقرار والفاعلية لا بد من الاحتكام إلى التوجيهات الدينية في الإسلام بصفة شاملة وغير مجزأة ولا محرفة، كما ينبغي تنمية الوعي بقيمة الحياة الأسرية المستقرة والآمنة، والعودة إلى قيم الأسرة، والحرص على التماسك الأسري المبني على الثقة والحوار والدعم والاحترام، ويساعد في ذلك الاختيار الواعي للعلاقات القرابية والأصدقاء بما يسهم في دعم استقرار الأسرة ويساعدها في أداء وظائفها بفعالية ويستبعد عوامل انحلالها وتصدعها. منذ توليك قبل ما يقارب الشهر لإدارة القسم النسائي في هيئة حقوق الإنسان فرع منطقة مكةالمكرمة، ما نوع الشكاوى أو الحالات الإنسانية التي تصل إليكم؟ وكم يبلغ عددها؟ وما آخر إحصائية في فرع منطقة مكةالمكرمة؟ -هناك عدد من القضايا التي وردت للهيئة منذ تشرفت بتكليفي بالقيام بمهام الإشراف على الفرع النسوي بهيئة حقوق الإنسان بمنطقة مكةالمكرمة، ويجري تصنيفها وفقاً للحقوق المشروعة التي تنص عليها الاتفاقات الدولية ويقرها الإسلام، ويستقبل الفرع النسوي الشكاوى من الإناث والأطفال، كما يرصد انتهاكات الحقوق التي تظهر في وسائل الإعلام، كما يجري حالياً تصنيفها وفقاً لنوع القضية «عنف، هروب، حضانة، إثبات هوية وغيرها»، وتتضمن التقارير المرفوعة إلى رئيس الهيئة مجمل ما ترصده تقارير الزيارات التفقدية، إضافة إلى الإحصاءات المتعلقة بالشكاوى وما تم إنجازه أو حفظه من قضايا، ويمكن الحصول على الإحصاءات من الفرع الرئيس للهيئة في مدينة الرياض، إذ ترفع التقارير بشأن حالات انتهاك حقوق الإنسان بصفة دورية وسنوية من جميع فروع الهيئة. وبصفة عامة في ما يختص بأبرز القضايا الواردة إلى فرع الهيئة بمنطقة مكةالمكرمة، فقد بلغ مجموع قضايا العنف الواردة للهيئة للعامين 1429/ 1430ه، ومن بداية عام 1431ه حتى تاريخه 200 حالة، وقضايا النفقة بلغت 30 حالة، وبلغ عدد القضايا المتعلقة بإثبات الهوية 87 حالة، وبلغ عدد قضايا المطالبة بالحضانة 30 حالة، تم التعامل معها وفق تنظيم وتعليمات مقام الهيئة. نعود الآن إلى التخصص الأكاديمي في مجال علم الاجتماع، وفي مقابل ذلك هناك دعوة من الكثير من المختصين والأكاديميين بأنه توجد في جامعاتنا تخصصات لم نعد بحاجة لها في سوق العمل، برأيك هل ترين التخصصات الإنسانية لم نعد بحاجة لها؟ وهل نستطيع التخلي عن بعض التخصصات الإنسانية في ظل تزايد حالات الطلاق والعنف وغيرها من المشكلات الاجتماعية التي تتطلب زيادة في عدد الباحثين والاختصاصيين الاجتماعيين من الجنسين؟ - يتزايد عالمياً الاهتمام بالأبعاد الإنسانية في التخطيط والإدارة وحتى في برامج التنمية الاقتصادية وتزيد الحاجة إلى بعض التخصصات الإنسانية في ضوء انتشار المشكلات الاجتماعية ووضوح تبعاتها، ولن تتمكن العلوم الإنسانية من الإسهام الفعال في تحقيق أهداف التنمية من غير التأكيد على الالتزام بالقيم العلمية ومعايير التخصص والربط بين الأبحاث والنظريات والتفاعل الواعي مع قضايا ومشكلات المجتمع من خلال المساهمات الفعلية في أبحاث المشاريع ونشر الوعي بأهمية الاشتراك في القيم المحورية وثقافة التقبل والحوار. سبق أن سمعنا أن الهيئة ستقوم ببرامج وحملات توعوية في المدارس والجامعات لتوعية المراهقين والشباب من بعض الآثار السلبية التي أفرزتها «العولمة»، فهل بدأت الهيئة في تطبيق ذلك؟ - تنفيذاً للبرنامج الثقافي تسهم الهيئة في التوعية في مجالات ومواقع متنوعة، فهناك محاضرات وورش عمل ومنتديات تقيمها الهيئة في المدارس والجامعات، وتسعى للمشاركة في المناسبات العالمية والمحلية لإبراز أهمية الالتزام بالرؤية الإسلامية لحقوق الإنسان وتذكير المسلمين بأن من شروط إيمانهم أن يحبوا لإخوانهم ما يحبون لأنفسهم، كما تقدم الهيئة دورات تأهيلية وتثقيفية متنوعة، وتعمل على التنسيق والمشاركة مع الجهات المعنية في ما يتعلق بالمحاضرات واللقاءات، كما تستجيب للمشاركة في العمل الاجتماعي والأطروحات الإعلامية الهادفة.