كنت أراقب وأتابع عن كثب في الأيام الماضية الهجمة التي شنها مجموعة من المثقفين والكتّاب في بعض الصحف تجاه وزارة التربية والتعليم؛ وذلك للتعبير عن استنكارهم ورفضهم لورود اسم الدكتور يوسف الأحمد على رأس قائمة المؤلفين لكتاب مادة الفقه والسلوك للصف الأول الابتدائي باعتبار أن الأحمد من الشخصيات البارزة التي عرفت واشتهرت أخيراً بآرائها ومواقفها المتشددة تجاه عدد من القضايا المتعلقة بالمرأة والاختلاط والتعليم وهو ما يتفق عليه الكثيرون، ولكن بعد أن هدأت تلك الموجة العاصفة، فإن المتابع والمراقب لها كان يلاحظ أن جزءاً ليس باليسير من تلك المقالات لم تكن منصفة أو معتدلة في موقفها من وزارة التربية والتعليم على وجه العموم، وقللت من أهمية منجزاتها، على رغم توضيح الوزارة موقفها من القضية المثارة! وكذلك لم يكن نقد بعضها قائماً على أساس علمي وموضوعي تجاه مضمون ومحتوى أفكار الكتاب بقدر ما كانت توضيحاً لتطرف أفكار الشخص المذكور التي بات يعرفها الكثيرون، مع معرفتنا بأن الدافع لمعظم أولئك الكتاب هو الخوف والقلق الشديد من عودة يد التطرف والتشدد إلى مناهجنا التعليمية، ومن خطورة تغلغل الحركيين أو ما بات يُعرف بأصحاب المنهج الخفي مجدداً في مؤسساتنا التعليمية والتربوية، خصوصاً بعد أن تم في السنوات الأخيرة إقصاء وإبعاد الكثيرين منهم عن عدد من المناصب في الإدارات التعليمية. إن وزارة التربية والتعليم في ظل قيادتها الجديدة برئاسة الأمير فيصل بن عبدالله ونائبه فيصل بن معمر بذلت جهداً كبيراً تشكر عليه في إنجاز عدد من الملفات التعليمية الشائكة التي لم يحسم أمرها منذ سنوات عدة، ومن أهمها اعتماد قرار دمج إدارات التربية والتعليم للبنين والبنات وتعيين مديرات للتربية والتعليم للبنات، وقرار تأنيث التعليم في المراحل الباكرة، والسعي الجاد في إصلاح وتطوير البنية التحتية للتعليم، ومن أبرزها البدء بتطبيق المشروع الشامل لتطوير المناهج، وهو المشروع الوطني الذي يهدف إلى تطوير جميع عناصر المناهج التعليمية وفق أحدث النظريات والأساليب التربوية والعلمية المعاصرة؛ فوزارة التربية ترى أن المناهج الحالية أدت الغرض الذي وضعت من أجله في مرحلة سابقة، غير أنها بحاجة إلى تطوير نوعي بما يتناسب مع التقدم العلمي والتحولات الاجتماعية والاقتصادية والتغيرات العالمية، وقد حرصت الوزارة في هذا المشروع على مراعاة التطور والانفتاح السريع الذي حصل في المجتمع السعودي المعاصر من حيث المستوى الثقافي والاقتصادي والتقني، وكذلك مراعاة التطورات العالمية كافة في مجالات الاقتصاد والاجتماع والعلم والتقنية والثقافة. تساءل عدد من الكتّاب في مقالاتهم عن سبب الاختيار والاقتصار على مثل الأحمد في الجانب الشرعي، على رغم وجود عشرات المتخصصين الشرعيين ممن يفوقونه مكانة ومنزلة علمية، وتساءل آخرون أيضاً عن السر في كون معظم المؤلفين للمناهج الدراسية، خصوصاً الدينية منها هم من غير المتخصصين في المناهج التعليمية، وهي أسئلة واستفسارات مشروعة، ولعل الإجابة تكمن في معرفة التفاصيل والمراحل المتعلقة بالمشروع الشامل لتطوير المناهج، إذ تعود بداية المرحلة الأولى للمشروع لعام 1419ه، وذلك حينما كلفت وزارة التربية والتعليم عدداً من المختصين في فروع الشريعة والمناهج والتربية بإعداد الوثيقة التفصيلية لمناهج العلوم الدينية للمراحل الدراسية، التي تم الانتهاء والفراغ منها خلال ثلاث سنوات وقد تكون مجموع أعضاء فريق العمل طيلة تلك الفترة قرابة 45 عضواً كان قرابة نصفهم من المتخصصين في الإدارة العامة للمناهج وإدارة تعليم الرياض، إضافة إلى مجموعة من الأكاديميين المتخصصين في العلوم الشرعية والتربية والاجتماع من جامعة الملك سعود وجامعة الإمام محمد بن سعود، وتم عرض الوثيقة بعد الانتهاء منها على الإدارات التعليمية للوقوف على رأي العاملين في الميدان التربوي، وبعد مضي أربع سنوات استجد عدد من المتغيرات المحلية والعالمية استدعت من الوزارة مراجعة الوثيقة وتطويرها، وفي 25 محرم 1425ه صدر المرسوم السامي باعتماد الخطة الدراسية الجديدة وتم تعميم منجزات المشروع الشامل على مدارس المملكة ابتداء من عام 1431ه. وفي 25 محرم 1425ه صدر المرسوم السامي باعتماد الخطة الدراسية الجديدة، وتم تعميم منجزات المشروع الشامل على مدارس المملكة ابتداءً من العام الحالي 1431ه. لذلك لم يكن الأحمد هو الشخصية الشرعية الوحيدة، بل كان مجرد فرد ضمن طاقم ضم مجموعة من المتخصصين في الجانب الشرعي، ومجموعة أخرى من المتخصصين في إدارة المناهج، ولكن على رغم ضخامة هذا المشروع فإن البعض يرى أن السمة البارزة في مناهجنا التعليمية التركيز فيها على العلوم الشرعية والعربية في مراحل التعليم العام كافة وذلك على حساب العلوم الأخرى، خصوصاً العلوم الطبيعية والرياضيات والعلوم الاجتماعية، وقد أشار الكاتب الدكتور عبدالرحمن الحبيب في مقال له أخيراً بعنوان «المقررات الجديدة وتطوير مناهج التعليم» إلى دراسة أصدرها مركز Ideation بعنوان «كيف تنجح في إصلاح التعليم؟»، من إعداد نبيه مارون وحاتم سمان، التي تم التركيز فيها على المناهج السعودية كحال دراسة إلا أن زيادة مواد الدين واللغة العربية على حساب المواد العلمية يؤثر على توجه الطلبة نحو التخصصات غير العلمية حتى لدى أولئك الذين لهم مهارات علمية، وأشارت إلى أنّ نسبة المواد الدينية في التعليم الابتدائي بالسعودية بلغت 31 في المئة، تليها عمان ب 20 في المئة، فالإمارات والكويت ب 13 في المئة. أما العلوم الطبيعية والرياضيات، فقد نالت 20 في المئة بالسعودية، ثم 22 في المئة بالكويت، و25 في المئة بالإمارات، و26 في المئة بعمان، وإذا قارنا هذه النسبة مع الأردن الذي يعتبر نظامها التعليمي ناجحاً نسبياً، بحسب الدراسة، نجد أنّ نسبة المواد الدينية نالت 10 في المئة مقابل 36 في المئة للرياضيات والعلوم. وبدأت عمان والإمارات في تغيير تدريجي لنظام تعليمي جديد بدلاً من القديم، فمن حيث نسبة المواد، سيكون نصيب الرياضيات والعلوم 35 في المئة لعمان و29 في المئة للإمارات مقابل 12 في المئة و9 في المئة للمواد الدينية على التوالي للبلدين، وبمقارنة هذه النسب مع ما صدر عن كمية المقررات الدراسية الجديدة ضمن مشروع التطوير الشامل للمرحلة الابتدائية في السعودية، نجد أنها لا تكاد تختلف عن القديمة كثيراً، إذ تراوحت النسبة للمواد الدينية بين 29 و32 في المئة فيما كان معدل نسبة الرياضيات والعلوم نحو 24 في المئة، إذ بلغت منتوجات المواد الدينية للمشروع الشامل 114 كتاباً، ويجب هنا الأخذ في الاعتبار أن المناهج ليست هي كل شيء في إصلاح التعليم، بل هي أحد عناصر البنية التحتية التي تشمل المدرسين والإدارة التعليمية وبيئة التعليم وكل واحدة من هذه الملفات هي بحاجة إلى طرحها ومناقشتها من الكتاب والمثقفين لدينا. * كاتب سعودي. [email protected]